قال شيخٌ: «حدث أن إنساناً شريفاً فرَّق جميعَ مالِه وعَتَقَ مماليكَه وزهد في الدنيا، إلا أنه صار متوكلاً على نفسِه وحده، مرشداً لذاتهِ، ولم يُرِد أن يكونَ تابعاً لغيرِه، متعلِّماً ممن هو أقدم منه، فوقع في نجاساتٍ شنيعةٍ وكاد يهلك، لولا أن مراحمَ الله تداركته بالتوبةِ فتعلَّم بالخبرة أن التواضع أفضل وأعظم من كلِّ الأعمالِ والفضائل».
الأب لوقيوس: سأله أخٌ عن ثلاثةِ أفكارٍ قائلاً: «أريد أن أتغرَّب». قال له الشيخُ: «إن لم تضبط لسانَك في أيِّ موضعٍ مضيْْتَ إليه فلستَ بغريبٍ، أما إذا ضبطتَّ لسانَك ههنا فأنت غريبٌ». فسأله الأخُ أيضاً قائلاً: «أريدُ أن أصومَ يومين يومين». فقال له الشيخُ: «قد قال إشعياء النبي: إن أنت أضنيتَ عُنُقَك كالأسلةِ، وافترشتَ المسوحَ والرماد، فلن يُعتبر ذلك صوماً مقبولاً، إما إذا أردت الصومَ حقاً فاصرف الأفكارَ الخبيثةَ». وأخيراً قال الأخ: «إني أؤثر أن أهربَ من الناسِ». فقال له الشيخُ: «إن لم تستطع تقويم نفسِك وأنت بين الناس، فلن يمكنك تقويمها وأنت وحدك».
وقال أيضاً: «إن المرأةَ تعلمُ أنها قد حبلت عند توقف دمها، كذلك النفس تعلم أنها قد قبلت الروح القدس عند انقطاع الآلام السائلة منها من أسفل. أما إذا دامت فيها، فكيف يمكنها أن تثمر وهي هكذا ثماراً مثل ثمارها وهي عديمة الآلام؟ أعطِ دماً وخذ روحاً».
كما قال أيضاً: «توجعتْ معدتي مرةً وطلبتْ طعاماً في غير أوانِه، فقلتُ لها: موتي، وما دُمتِ قد طلبتِ طعاماً في غير أوانِه، فها أنا أقطعُ عنك ما كنتُ أعطيكِ إياه في أوانهِ».
قال شيخٌ: حدث مرةً أني كنتُ في موضعٍ حيث أتى يتامى ومساكين يسألون صدقةً، فلما ناموا كان بينهم واحدٌ لا يقتني شيئاً يلبسه سوى حصيرةٍ، نصفها فوقه ونصفها الآخر تحته، وكان وقتئذ بردٌ شديد، فخرج بالليلِ يبول ماءً، فسمعتُه من شدةِ البردِ يُعزي نفسَه ويقول:« أشكرك يا ربُّ، كم من أغنياءٍ الآن في السجونِ يرزحون في أغلالٍ حديديةٍ، وآخرين وقد رُبطتْ أرجلُهم في الخشبِ، لا يستطيعون الخروجَ حتى لتبديدِ الماء، ولا يقدرون أن يمدُّوا أرجلهم، وأنا مثلُ ملكٍ، لي سلطانٌ على ذاتي، حيثما شئتُ أذهبُ». فلما أنصتُّ وسمعتُ كلامَه هذا، دخلتُ إلى الإخوةِ وحدثتهم، فلما سمعوا تعجبوا وسبحوا الله.