وسأله أنبا أبرآم مرةً قائلاً: «يا أبتاه، أيهما أحسن، أنقتني لأنفسنا كرامةً، أم هواناً»؟ فقال الشيخُ: «أما أنا فأشتهي اقتناءَ الكرامةِ، لأنها أفضل من الهوان، لأني إذا عملتُ عملاً صالحاً، وأُكرمت إزاءه، أستطيع أن أُلزم فكري بعدم استحقاقي للكرامةِ، وأما الهوان فيصدر عن أفعالٍ قبيحةٍ تُغضب الله، وتشكك الناس، والويل لمن تأتي من قبلِهِ الشكوك، وعلى ذلك فالأفضل عندي هو أن أعمل الخيرَ وأُمجَّد». فقال أنبا أبرآم: «حسناً قلتَ».
مضى البابا ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية إلى جبل نتريا، وجاء إلى أب الجبل، وقال له: «ما هو أفضلَ شيءٍ وجدتَه في طريقةِ جهادِكم هذه، يا أبتاه»؟ فقال له الشيخُ: «لا يوجد شيءٌ أفضل من أن أرجع بالملامةِ على نفسي في كلِّ أمرٍ». فقال البابا: «بالحقيقةِ هذه هي الطريقُ الفاضلة التي لا يوجد قط أفضل منها».
وقال أيضاً: «إني مرتعبٌ فزعٌ من تلك الشدةِ التي سوف تعانيها النفسُ عند خروجِها من الجسدِ، إذ تأتيها أجنادُ الشرِ، وماسكو ظلمة هذا العالم الخبيث، فيأخذونها ويُظهرون لها كلَّ ما عملته من الخطايا، بمعرفةٍ وبغيرِ معرفةٍ، ويُحاجُّونها على كلِّ ما عملت، فأيُّ شدةٍ ورعبٍ تلحق بالنفسِ في تلكِ الساعةِ، حتى يَصدر الحكمُ بمصيرِها، وتُصبح حُرّةً، هذه هي ساعة الشدة التي تقاسيها حتى تبصرَ خاتمةَ أمرِها، فإن كانت مستحقةً النعيم، يأخذها الملائكةُ بكرامةٍ، ويحفظونها من الشياطين الأشرار، وحينئذ تصبح من ذلك اليوم معتوقةً منهم، كما هو مكتوبٌ: إن مسكنَ جميعِ الفرحين فيك يا مدينة الله. وحينئذ يتم المكتوب أن الوجعَ والتنهد والتعب يهرب، وحينئذ تفلت من أجنادِ الظلمةِ، لتمضي إلى ذلك المجدِ الأسنى، الذي لا يُنطق به. أما إن وُجدت النفسُ وقد كانت عائشةً بالتواني، فإنها تسمع ذلك الصوتَ المحزن: ليبعد المنافق كيلا يعاين مجدَ الربِّ. وحينئذ يدركها يومُ السخطِ، يومُ الحزنِ والشدةِ، يومُ الظلمةِ وظلالِ الموتِ، فتُلقى في الظلمةِ الخارجية، ويُحكم عليها بالعذابِ المؤبَّد في نارٍ غير منطفئةٍ، حيث يهرب كلُّ نعيمٍ وتلذذ، وحيث لا يوجد فرحٌ ولا نياحٌ، ولا غنى، ولا جاه، ولا من يُخلِّص من ذلك اللهيبِ المُعد للنفوس الخاطئةِ، فإذا كانت هذه الأمور هكذا، فأيُّ تدبيرٍ ذي أمانةٍ وقداسةٍ ينبغي لنا أن نتدبَّر به في هذا العمرِ، وأيُّ تسبيحٍ وأيةُ صلواتٍ وأيُّ تحَفُظٍ يجبُ أن نقتني بغيرِ دنسٍ وبغير عيبٍ، بطهارةٍ وسلامٍ، لتؤهلوا لسماع ذلك الصوت المملوء فرحاً القائل: هلموا يا مباركي أبي، رثوا الملك المعد لكم من قبل إنشاء العالم، الدائم إلى دهر الدهور، آمين».