قال شيخ: «إني أهوى الرجلَ الذي يخطئ ويندم ويُقر بخطئهِ، أكثر من الرجلِ الذي يعملُ الصلاحَ ويزكي نفسَه».
شيخٌ حَدَّثته أفكارُه قائلةً له: «استرح اليومَ وتُب غداً». فقال: «لن يكونَ ذلك أبداً، بل عليَّ أن أتوبَ اليومَ، ولتكن مشيئةُ الربِ غداً». كذلك حدَّثته أفكارُه من جهةِ الصومِ قائلةً: «كُلْ اليومَ، وتنسكْ غداً». فقال: «لن أفعلَ ذلك، لكني أصومُ اليومَ، وتتم إرادةُ اللهِ غداً».
كان إنسانٌ جندي من بلاد الأكراد، قد عمل خطايا كثيرةً ودنَّس جسدَه بكلِّ أصنافِ النجاساتِ، وبرحمةِ اللهِ تَخَشَّع قلبُه، فزهد في العالمِ ومضى إلى موضعٍ قفرٍ، وبنى له قلايةً في أسفل الوادي، وأقام فيها مهتماً بخلاصِ نفسِه. فلما عرف مكانَه بعضُ معارفهِ، صاروا يُحضرون له خبزاً وشراباً وكلَّ حاجاتهِ. فلما رأى ذاتَه في راحةٍ وأصبح لا يُعوزه شيءٌ، حزن وقال في نفسِه: «إننا ما عملنا شيئاً يستوجبُ الراحة، وهذا النياحُ الآن يُفقدني النياحَ الأبدي، لأني لستُ مستوجباً لنياحٍ البتة». وهكذا ترك قلايتَه وانصرف قائلاً: «لنَسِر إلى الضيقةِ، لأنه ينبغي لي أن آكلَ الحشيشَ طعامَ البهائمِ، إذ كنتُ قد فعلتُ أفعالَ البهائمِ». وهكذا أصبح راهباً مجاهداً.
قيل عن الأب أموناس: إنه أتاه أخٌ يطلبُ منه كلمةَ منفعةٍ، وأقام عنده سبعةَ أيامٍ، ولم يُجِبه الشيخُ بشيءٍ، وأخيراً قال له: «انطلق وانظر لذاتِك، أما أنا فإني خاطئٌ، وخطاياي قد صارت سحابةً سوداءَ مظلمةً، حاجزةً بيني وبين الله».
قال الأب ألينوس: «من لم يَقُل: لا يوجد في هذا الكونِ كلِّه إلا الله وأنا فقط، فلن يصادف نياحاً».
وقال أيضاً: «لو لم أكن هدمتُ كلَّ شيءٍ، لما كنتُ قادراً على أن أبني ذاتي».
كذلك قال: «لتكن مشيئةُ الإنسانِ من باكر إلى عشية بحسب قياس إلهي».
جاء عن الأب بفنوتيوس أنه لما كان في البريةِ، كان مزاجُه صعباً، وأعمالُه بحرارةٍ كثيرةٍ، ولكنه لما صار أسقفاً تغير الحالُ قليلاً، فطرح ذاتَه قدام الله قائلاً: «يا تُرى، أَمِن أجلِ الأسقفيةِ ابتعدتْ عني النعمةُ»؟ فقيل له: «لا، ولكن لما كنتَ في البريةِ، حيث لا يوجد أناسٌ، كان اللهُ يَعْضُدك، أما الآن فإنك في العالمِ حيث يوجد الذين يَعْضُدونك». وما أن علم ذلك حتى هرب لوقتِه إلى البريةِ.