قال أحدُ الآباء: إن شئتَ أن تجدَ راحةً في هذه الدنيا، قل في كلِّ أمرٍ تعمله: «أنا من أنا»؟ كما لا تدن أحداً.
وقال آخر: «ليكن فكرُك فكراً صالحاً هادئاً في أيِّ موضعٍ سكنتَ فيه، كما لا تطلب أن تُلقي قولَك قدامك، فتستريح».
وقال آخر: حيثما تجلس قل: «غريبٌ أنا، غريبٌ أنا».
وقال آخر: جاور من يقول: «أيَّ شيء أريد أنا»؟ فبمجاورتك لذاك سوف تجد راحةً.
وقال آخر: «لا تسكن في موضعٍ له اسم، ولا تجالس إنساناً عظيمَ الاسم».
سأل أخٌ الأب بيمين قائلاً: «ما معنى قوله: الذي يغضبُ على أخيه باطلاً»؟ قال له: «إن أخذ أخوك منك شيئاً، وظلمك فيه وغضبتَ عليه بسببهِ، فغضبُك هذا يكون باطلاً، لأنك غضبتَ لأجل أشياءٍ باطلةٍ، أما إن أراد إبعادك عن الله خالِقك، فحينئذ اغضب جداً، لأن غضبَك حينئذ لا يكون باطلاً».
ومرة سَمِعَ عن إنسانٍ أنه كان يواصل صومَ ستةِ أيامٍ، لكنه كان يغضبُ، فقال: «إن كان هذا قد تعلَّم كيف يطوي الأسبوعَ، فكيف لا يتعلم كيف يُبعد عنه الغضبَ»؟
قال الأب مقاريوس: «إن كنتَ في حالِ ردعِك غيرك تَحرد وتغضب، فأولى بك أن تشفي ألمَك أولاً، لأنه لا يليقُ أن تُهلك نفسَك لتُخلِّص غيرَك».
سأل إخوةٌ الأب أرمانيوس قائلين: «ماذا يجب أن نتدبَّر»؟ فأجابهم الشيخُ: «لا أتذكر أني سألتُ في وقتٍ من الأوقاتِ إنساناً بأن يعملَ شيئاً، ما لم أسبق فأُجيل في خاطري أني لا أغضب متى خالفني، ولم يعمل بما قلتُه له. وهكذا عشنا عمرَنا كلَّه بسكونٍ وسلامٍ».
سأل أخٌ شيخاً قائلاً: «إن سكنتُ مع إخوةٍ، ورأيتُ منهم أمراً غيرَ لائقٍ فهل تشاء أن أتكلَّم»؟ قال الشيخُ: «إن كانوا هم أكبر منك أو في مستواك، فسكوتك خيرٌ لك. لأنك بسكوتك تخلص». فقال الأخُ: «فماذا أعملُ أيها الأب، لأن الأرواح تقلقني بأن أتكلمَ، وهكذا تجدني متعَباً». فقال الشيخُ: «إن كان ولا بدّ، فذكِّرهم مرةً باتضاعٍ وذلك بأن تؤخر إرادتك وتخضع لله، محتاطاً لنفسك ألا تتكلم فيهم بنميمةٍ، وعندي أن السكوتَ أفضل، لأنه دليلٌ على الاتضاع».
قال أحدُ الآباء: إنه لا يوجد أفضلُ من هذه الوصية: لا تزدرِ بأحدٍ من الإخوة، هو ذا قد كُتب: «توبيخاً توبِّخ قريبك ولا تأخذ بسببهِ خطيةً». فإن علمتَ أن أخاك مخطئٌ ولم تخبره بغلطتِه وثبت فيها يموتُ بخطيئتهِ، ما أجود التوبيخ لا سيما إذا كان بمحبةٍ واتضاع، لا بمعيرةٍ وازدراء».