قيل أيضاً: أراد في يومٍ من الأيام والي البلاد أن يشاهد أنبا بيمين. لكن الشيخَ لم يشأ ذلك. فقبض الوالي على ابن أختِه بهذه الحجة وحبسه، كأنه قد عمل عملاً منكراً. وقال: «إن جاء الشيخُ وسألني من أجلِه فسوف أُطلقه». فجاءت إليه أختُه باكيةً على الباب، فلم يُجبها بجوابٍ البتة. فكرَّرت عليه قائلةً: «يا قاسي القلب، ويا حديدي الأحشاء، ارحمني فإنه وحيدي وليس لي سواه». فقال لها: «بيمين ما ولد أولاداً». فلما سمع الوالي قال: «وإن سألني بالمكاتبةِ فقط فإني أُطلقه». فأجاب الشيخُ قائلاً: «افحصه على ما يأمرُ به الشرعُ، فإن كان مستحقاً للقتل فليُقتل، وإلا فافعل كما تريد».
قال أحدُ الشيوخ: إن الرهبان المتوشحين بالزي المقدس، القاطنين في الأديرةِ، لا يليق بهم أن يقولوا: «لي ولك، ولهذا ولذاك». والجماعةُ المشتركة كذلك، ليس لهم أن يعتبروا شيئاً ما ملكاً لواحدٍ منهم. ولا يدورُ فيما بينهم القولُ: «لي ولك، ولهذا ولذاك». وإلا فما يليقُ أن تُدعى الجماعةُ بالكنوبيون، أي العيشة المشتركة، بل تُدعى مجامعَ لصوصٍ ومغارةً مملوءةً من كلِّ رذيلةٍ وسلبٍ للأشياء الطاهرة».
من الديادوخس: «الذي قد حظي وقاراً بمعرفةٍ مقدسة وذاقَ الحلاوةَ الإلهية، لا يجبُ له أن يحاكِم قط ولا يقيم دعاوى أو يجذب إلى مجلسِ حكمٍ بالجملةِ، حتى ولو سلب سالبٌ ملابسَه، لأن عدالة السلاطين في هذا الدهر ليست شيئاً بالمرة بالنسبة إلى عدالة الله. وإلا فأي فارقٍ إذن بين أولاد الله وأولاد هذا الدهر؟ وإليك ما فعله سيدنا يسوع المسيح، فإنه لما شتموه لم يشتم هو عوضاً، ولما آلموه لم يهدِّد، ولما نزعوا ثيابَه لم يتكلم، وتوجَّع لأجلِ خلاصنا، وما هو أعظم من ذلك كلِّه، أنه سأل الغفرانَ لفاعلي المكروه به».
سأل أخٌ شيخاً قائلاً: «أريدُ أن أقيمَ مع آخر في كنوبيون حتى أستريحَ في قلايتي، ويعطيني عملاً أعمله بيدي ويهتمُ بي». قال الشيخ: «لا تفعل ذلك، وإلا فما كنتَ تستطيع أن تعطي أحداً خبزاً».
سأل أخٌ الأب بيمين قائلاً: «أريدُ أن أدخلَ إلى كنوبيون وأسكن فيه». فقال له الشيخُ: «إن شئتَ سكنى الكنوبيون، فإن لم تعتق نفسَك من هَمِّ كلِّ محادثةٍ، وتبتعد عن سائرِ الأشياء، فلا يمكنك سكنى كنوبيون، لأنه لن يكون لك هناك سلطانٌ إلا على عصاك».