كان لأحدِ الرهبان أخٌ علماني وكان يواسيه من عملهِ وبقدر ما كان يواسيه، كان ذاك يفتقرُ أكثر. فمضى الراهبُ وأخبر أحدَ الشيوخِ، فقال له: «إن سمعتَ مني، فلا تعُد تعطيه شيئاً بعد، بل قل له: لما كان لي كنتُ أعطيك، أما الآن، فبقدر ما تيسَّر لك هات أنت لي. وكل ما يأتي به إليك أعطِه للمساكين واسألهم أن يصلَّوا من أجلِه». فلما جاء أخوه العلماني، قال له كما أعلمه الشيخُ، فمضى من عندِه كئيباً. وفي اليوم الثالث، أحضر له من تعبهِ قليل بَقلٍ، فأخذها الراهب وأعطاها للشيوخِ وسألهم أن يصلُّوا من أجلِه. ولما جاء ثاني مرة، أحضرَ له بقولاً وثلاث خبزات، فأخذها الراهبُ وعمل مثلما عمل أولاً، ولما جاء لثالثِ مرةٍ، أحضر له أشياءً ذاتَ ثمنٍ كنبيذٍ وسمك. فلما رأي الراهبُ ذلك تعجَّب واستدعى المساكين وأطعمهم وقال لأخيه: «هل أنت محتاجٌ إلى قليلٍ من الخبزِ فأعطيك»؟ فقال له ذاك: «لا يا أخي، لأني لما كنتُ آخذ منك شيئاً، كان كأنه نارٌ يدخلُ إلى بيتي فتأكله، وكأنه هباءٌ تأخذه الريح فلا أجده. ومنذ أن توقفتُ عن أن آخذ منك شيئاً، بارك الله لي». فمضى الراهبُ وأخبر الشيخَ بكلِّ ما جري فقال الشيخُ: «إن متاعَ الراهبِ هو نارٌ، أينما دخل أحرقَ».
قال أحدُ الآباء لراهب له مقتنيات: «لقد سُمي الراهبُ متوحداً لأنه أصبح يعيشُ وحدَه، لا يمتلك شيئاً. فإن كان له مِلكٌ يُجار عليه ويُظلم فيه، أو يجور هو ويَظلم، فليس هو إذن براهبٍ. لأن نواميسَ الملوك لا تُسلِّم بأن يحاكَم الرهبانُ في مجالسِ أحكامِهم، لأنهم قد ماتوا عن العالم، ولذلك فقد عَدِمَ كلَّ عفوٍ ذلك الراهبُ الذي يُدخِل نفسَه في مجالسِ الحكام لأجل شيءٍ يُظلم فيه أو يُجار عليه».