عرض مشاركة واحدة
قديم 18 - 10 - 2017, 10:31 AM   رقم المشاركة : ( 146 )
sama smsma Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية sama smsma

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 8
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركـــــــات : 91,915

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

sama smsma غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب بستان الرهبان

ربنا».
أُخبر عن أحد الرهبان أنه لم يكن له عملٌ سوى الصلاةِ بلا فتور. وكان كلّ عشيةٍ يجدُ في قلايته خبزاً يأكله. فزاره أحدُ الرهبان مرة ومعه ليف، فأخذه منه وصار يعمل في الليف. فلما حان وقتُ المساءِ طلب خبزاً كعادته ليأكل، فلم يجد. فبقي حزيناً، فأتاه صوتٌ قائلاً: «لما كنتَ تعمل معي كنتُ أعولك، فلما بدأت ممارسة عملٍ آخر، فاطلب طعامك مما تعمله بيدك».
قيل عن أحد الرهبان إنه كان بليغاً جداً في الإفرازِ والتمييز، وأراد السكنى في القلالي فلم يجد قلايةً منفردة، وأنه خرج تائهاً في البريةِ إلى أن لقيه أحدُ الشيوخ فأخبره بحالهِ، فأجابه الشيخ: «إن لي قلايتين، فاجلس في واحدةٍ منهما إلى حين يسهِّل المسيحُ لك قلايةً. فحَمَدَ أفضالَه. ولما سكن في القلاية قصده قومٌ من الرهبان لينتفعوا منه لكونهِ من أهلِ الفضل، وكانوا يحملون إليه ما سهل عليهم حمله. فلما نظر الشيخ صاحب القلاية ذلك، بدأ يحسده بإيعازٍ من الشيطان وقال لتلميذِه: «كم من السنين ونحن مقيمون في هذا المكان، ولم يقصدنا حتى ولا واحد من هؤلاء الرهبان. وهذا المحتال في أيامٍ قلائل استمال إليه الكلَّ. امضِ اطرده من القلاية». فمضى التلميذُ وقال له: «إن المعلمَ يسلِّم عليك ويسأل عن صحتِك ونجاح أحوالك واعتدال مزاجك، ويسألك أن تصلي من أجلهِ لأنه مريضٌ. ويقول لك: إن كان لك احتياجٌ إلى شيءٍ أقوم بتأديته لك». فقام الراهبُ وسجد للتلميذ وقال له: «بلِّغه سلامي عني، وقل له إني بخيرٍ ببركة صلواتك وليس لي احتياجٌ لشيء». فرجع التلميذ إلى الشيخ وقال له: «إن الراهبَ يُقبِّل يديك ويسألك أن تصلِّي من أجلِه وتمهله أياماً قلائل حتى يجدَ لنفسهِ قلايةً، ويرتحل عن قلايتك بسلام». فصبر ثلاثة أيام. وبعد ذلك أقلقه الحسدُ، فقال لتلميذهِ:« اذهب وقل له لقد صبرتُ أكثر من اللازم، فاخرج من قلايتي». فأخذ التلميذُ بركةً مما كان يوجد في القلاية، ثم جاء إلى الراهبِ وسجد بين يديه وقال له: «إن المعلمَ يسلِّم عليك ويسألك أن تَقبل منه هذه البركة لأجلِ السيد المسيح وتصلي من أجلهِ لأنه متعبٌ جداً، ولولا توجعه لكان قد حضر إليك». فلما سمع الراهبُ ذلك أدمعت عيناه وقال: «كنتُ أشتهي أن أذهبَ وأبصره». قال له التلميذ: «لا يا أبتاه، فإنه لا يحتمل أباً مثلك يرافقني إليه، لئلا يلحقني من ذلك شرٌ، ابقَ أنت ههنا وأنا أبلِّغه سلامَك ورسالتك». ثم ودَّعه وخرج وأتى إلى الشيخِ وقال له: «يا أبتاه إن الراهب يقول لك: لا يصعُب عليك الأمرُ، ولا تغضب، ففي يوم الأحد سوف أخرج من قلايتك». فمازال الشيخُ يترقب سواعي الليل حتى يوم الأحد، فلما لم يخرج الراهبُ، قام الشيخُ وأخذ عصا وهو مسبي العقل طائر الفكر، وقال لتلميذهِ: «تعالَ معي إلى هذا الراهب المحتال، فإنه إذا لم يخرج باختيارِه فسوف أطردُه بهذه العصا مثل الكلبِ». فلما رآه التلميذُ هائجاً، وقد سلب العدو فكرَه، قال له: «أسألُك يا أبتاه أن تستمعَ إلى مشورتي بأن تجلسَ ههنا وأنا أسبقك إليه وأُبصر إن كان عنده رهبان، لئلا إذا أبصروك على هذه الحال يطردونك عنه فلا تنال بُغيتك، أما إذا وجدتُه وحده أعلمتُك لتمضي إليه وتطرده». فاستصوب الشيخُ كلامَ التلميذ، وجلس وهو يصرُّ بأسنانهِ، ومضى التلميذُ إلى الراهب، وسجد له كعادتهِ وقال: «إن المعلم يسلِّم عليك، ولما أعلمتُه أن جسمَك ضعيفٌ احترق قلبُه ولم يستطع صبراً، وقد جاء ليبصرَك، وإنه بسبب ضعفهِ ما أمكنه المجيء إليك». فلما سمع الراهبُ ذلك الكلام خرج لوقتهِ للقائه بلا كساءٍ ولا قلنسوة على رأسهِ ولا عصا بيده. فسبقه التلميذُ إلى معلمهِ وقال له: «هوذا الراهبُ قد ترك قلايتك وها هو حاضرٌ ليودِّعك ويأخذ بركة صلاتك قبل ذهابهِ وانصرافهِ بسلامٍ». فلما سمع الشيخُ هذا الكلامَ تذكَّر كلامَه ومراسلاته له، وانكشفت عنه غمامةُ الحسدِ وبقى حائراً في نفسِه ماذا يعمل، وخجل من لقائِه، ولشده الحياءِ لم يقدر أن يرفعَ عينيه نحوه، فأخذ يولي الأدبار، فلما رآه التلميذُ على هذه الحال سجد له وقال: «يا أبتاه، التقِ بأخيك دون خجلٍ فإن جميعَ الكلامِ الذي قلتَه لي لم يصل إلى مسامعِه قط». فلما سمع الشيخُ بهذا الكلام فرح جداً، والتقى بالراهب بفرحٍ وقلبٍ نقي، ورجع معه إلى قلايته. فقال له الراهب: «اغفر لي يا أبتاه، لأنه كان الواجب عليَّ أنا أن آتي إليك، لأنك تعبتَ في المجيء إليَّ». فلما رجع الشيخُ إلى قلايته سجد بين يدي تلميذهِ وقال له: «إنك من الآن أنت الأب وأنا لا أستحق أن أكونَ لك تلميذاً، لأنك بعقلِك وسلامة ضميرك وحسن إفرازك خلَّصت نفسي من الفضيحةِ».
  رد مع اقتباس