كان أخٌ فاضلٌ حريصاً، وإذا صلَّى مع أخيه قانونَه تغلبه دموعُه، فيفوته من المزمور استيخن أو أكثر، وفي أحد الأيام سأله أخوه أن يخبرَه بما ينتابه أثناء قراءة قانونه حتى يبكي ذلك البكاء المر، فقال: «اغفر لي يا أخي، فإني أثناء قراءة القانون، أبصر القاضي دائماً، وأرى ذاتي واقفاً قدامه وقوفَ المجرمِ، وهو يفحصُ أحوالي، وأسمعه قائلاً لي: لِمَ أخطأتَ؟ وإذ ليس لي جوابٌ أحتجُّ به إليه يستدُّ فمي، وعلى هذا الوجه يفوتني الاستيخن من المزمور، فاغفر لي لأني أغمُّك. وإن كنتَ تجد راحةً في أن يصلي كلُّ واحدٍ منا قانونَه منفرداً، فافعل». فقال له أخوه: «لا يا أخي، لأني وإن كنتُ أنا لا أبكي، إلا أني في الواقع إذا رأيتُك تبكي، أعطي الويلَ لنفسي وأعتبرها شقيةً». فلما أبصرَ الله تواضعه، وَهَبَ له اتضاعَ أخيه.
قيل عن أخٍ من الرهبان إنه زار شيخاً متعَباً في عملِ الخير، كان ساكناً في المغاير التي تقع فوق المكان الملقب بإسرائيل، وكان الشيخُ ذا عقلٍ متيقظٍ لدرجةِ أنه كان حيثما توجَّه، يتوقف عن السيرِ ويستعرض فكرَه ويسأله: «كيف حالُك يا أخي؟ أين نحن»؟ فإذا وجد عقلَه يترنَّم بالمزامير ومتضرعاً، حمده واستدامه، وإن وجد ذاته متفكراً في أيِّ شيءٍ من الأشياء، شتم ذاته في الحال قائلاً: «هلم من هناك، قف عند حدك، والزم عملك». وكان الشيخُ يخاطب نفسَه بهذا الكلام دائماً: «يا أخي، يلوح لي أن الانصرافَ قريبٌ، ولستُ أرى مجالاً للنومِ أو التهاون بعد». فهذا الفاضل ظهر له الشيطانُ في وقتٍ من الأوقات، وقال له: «لماذا تتعب، إنك لن تخلص». فقال له الشيخ: «وماذا يهمك إن كنتُ لا أخلص؟ لكني سوف أوجد في العذابِ فوق رأسك، وتحت كل من فيه». هذا قال أيضاً: «سبيلُ الراهبِ إذا وقف مع إخوةٍ رهبان، أن يطرقَ برأسهِ دائماً إلى أسفل ولا ينظر بالجملةِ إلى وجه إنسانٍ، وخاصة وجه شاب. وإذا كان منفرداً ينبغي له أن ينظرَ إلى العلو دائماً. ذلك لأن الشيطانَ من شأنِه أن يغتمَّ ويرتاع إذا نظر إلى العلو نحو ربنا».