عرض مشاركة واحدة
قديم 18 - 10 - 2017, 10:20 AM   رقم المشاركة : ( 6 )
sama smsma Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية sama smsma

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 8
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركـــــــات : 91,915

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

sama smsma غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب بستان الرهبان

هدوءُ الجسدِ هو حبسهُ عن الدوران، وهدوءُ النفسِ هو الابتعادُ عن الجهلةِ ومن النظرِ للوجوه. فإن الجهلةَ يُشغلوننا بباطلِهم ويجروننا إلى عوائدِهم ويسخروننا لنواميسِهم، لأنهم يرونها حسنةً ولكنها تقطعنا عن حياتنا. لذلك ليس شيءٌ أفضل من التباعد والسكوت لأن بدونها لا يقدر الإنسانُ أن يعرفَ نفسَه. أما عملُ السكوتِ فهو: الصوم، السهر، الهذيذ الصالح، إتعاب الجسد بقانونٍ حكيم، في المقدار والترتيب، وبدوام ذلك يجتمع العقلُ إلى نفسِه ويرجع عن الدوران فيما هو خارج عنه. وبعد قليلٍ يبتدئُ في أن يصحو لنفسِه ويتصوَّر حُسنه ويشرق عليه ضوءُ الرب، وينظر الإلهَ خالقَه، ويعرف اللهَ رازقَه، ويفرح بولادتهِ ويعود من سبيه، ويحيا من موتِه ويستريح من الأوجاع، ويُعتق من الظلمةِ ويخلص من عدوه الشرير. لا بدَّ للإنسان من الإيمان الخاص الحقيقي، فالإيمانُ العام هو لكلِّ الناس، ومن نعمةِ ربنا علينا وَلَدَنا، فأما الإيمانُ الخاص الذي يقرِّبنا من الله فهو أن نسألَ ونطلبَ منه العظائمَ، التي لا يمكن للآخرين أن يصدِّقوا إمكانية وجودِها، وأن نعتصمَ به ونتقوى ولا نخاف من شيءٍ، ونتيقَّن أن الذي نتقوى به هو أقوى من كلِّ شيءٍ. والثبات في الجهاد والصبر على البلايا هو أيضاً أفضلُ من كلِّ الأمور. وكلما استمر السكوتُ ضعُفت الأوجاعُ، وكلما ضعُفت الأوجاعُ قوي العقلُ قليلاً قليلاً، إلى أن يصحَّ ويستريح، وحينئذ لا يذكر الإنسانُ أوجاعَه وأحزانَه السالفة، وذلك كما قال ربنا عن المرأة التي تلد. وإذا عُتِقَ الإنسانُ من الأوجاعِ الشريرة التي كان يعانيها دائماً فقد عُتِقَ من الأحزان والآلام والأمراض العارضة كلِّها تلك التي يؤدَّب بها الخطاةُ. وبدوامِ السكوت يُعتق من الأوجاع الذميمة. أما الذين يُعيقوننا من معرفةِ الله ويبعدوننا عن عملِ الفضيلةِ فإنهم لا يُلامون، لأنهم لا يعرفون، وأما نحن فإذ قد عرفنا رِبحَنَا وخسارتنا، فينبغي لنا أن نبتعدَ عنهم ونسكت لكي تحيا نفوسُنا.
وهو ذا شيءٌ آخر رديءٌ جداً يُفسد علينا النقاوةَ بالكليةِ وهو حبُّ الرئاسةِ والكرامة والمدح من الناس، فإن كلَّ هذه أوجاعٌ عظيمةٌ ورجاءٌ كاذب وقليلون هم الذين يتخلَّصون منها بالسكوت، لأنها أشرُّ من اللذَّات وشره البطن. فأما حبُّ الرئاسة والكرامة الحاضرة والسبح الباطل والارتباط به فإنه من العسير الانحلال منها، لأن هذه أوجاعٌ تلبس الإنسان بلا نهاية، فلا نطلب نحن رئاسةً في هذا العالم الزائل المظلم الأرضي، فإن رئاستنا نحن وكرامتنا في العالم المضيء السمائي، وحبُّ المسيح ربنا وحده هو يخلصنا من هذه الأوجاع، آمين.
  رد مع اقتباس