وقال أيضاً: يا ابني كن مستعداً إزاء كلِّ كلمةٍ تسمعها لأن تقول: «اغفر لي»، وبذلك تهزم كلَّ قوةِ العدو. وليكن وجهُك دائماً معبّساً، إلا إذا أتاك إخوةٌ غرباء فكن بشوشاً فيسكن خوفُ الله فيك. إن سرتَ مع إخوةٍ في طريقٍ، فتباعد عنهم قليلاً ولتكن صامتاً. وإذا مشيتَ فلا تلتفت يُمنى ولا يُسرى بل ادرس في مزاميرك وصلِّ لله بفكرك. وأيَّ موضعٍ دخلتَه لا توجِد لنفسِك دالةً مع أهلهِ، وكن جاداً في كل أمرٍ من أمورك. أيُّ شيء يوضع أمامك فمد يدَك إليه بتغصبٍ، وإن رقدت في موضعٍ فلا تتغطَ أنت وآخر بغطاءٍ واحدٍ. وصلِّ صلاةً طويلة قبل أن تنام. وإن كنتَ قد تعبتَ من السيرِ في الطريقِ وأردت أن تدهن جسدَك بقليلٍ من الزيت فليكن لك ذلك بحياء، ولا تدع أحداً يدهن لك جسدك وأنت صبي. إذا كنت جالساً في قلايتك وأتاك أخٌ غريبٌ فادهن رجليه وقل له: أظهر محبةً وخذ قليلاً من الزيت وادهن به جسدك، فإن لم يُرد فلا تُكرهه إذا كان شيخاً عمالاً. إذا جلستَ على المائدة وأنت شابٌ فلا تتجرأ وتدعو إنساناً إلى الأكلِ وتشكر له في الطعام، بل اذكر خطاياك لئلا تأكل بلذةٍ، ومد يدك إلى ما هو قدامك فقط، ولتغطِ ثيابُك رجليك، وركبتاك مضمومتان إحداهما إلى الأخرى. وإذا زارك غرباءٌ فأعطهم حاجتهم برضى، وإذا كفوا عن الطعام فقل لهم مرتين أو ثلاثة: اصنعوا محبةً وكلوا قليلاً. وإذا كنتَ تأكلُ فلا ترفع وجهَك في قريبك ولا تتلفت لا هنا ولا هناك ولا تتكلم كلمةً فارغة، وإذا شربتَ الماءَ فلا تدع حلقَك يُحدث صوتاً كما يفعل العلمانيون. وإذا كنتَ جالساً مع الإخوةِ واضطررت للبُصاق فلا تبصق في وسطِهم بل قم خارجاً وألقِهِ. لا تتماطأ في وسطِ الناس، وإذا جاءك التثاؤب فلا تفتح فمَك فيذهب. احذر من فتح فمِك بالضحك، فإن الضحك يوضِّح عدم وجود خوف الله. لا تشتهِ شيئاً لصاحبك، لا ثوبه ولا قلنسوته ولا غير ذلك مما له. ولا تتمِّم شهوةَ جسدِك وتصنع لك مثله. إن عملتَ لك مجلداً فلا تزينه فإن ذلك عثرة. إن أخطأت في أمر ما فلا تستحِ وتكذب، بل أسرع وقر بذنبك واستغفر فيُغفر لك. إذا وجه إليك إنسانٌ كلمةً قاسية، فلا تشمئز أو يستكبر قلبُك، ولكن بادر واصنع مطانية ولا تلُمه في قلبك، وإلا فالغضبُ يثور عليك. إن افترى أحدٌ عليك بشيءٍ لم تصنعه فلا تجزع ولا تغضب، بل اتضع واصنع مطانية، وسواء كنتَ قد فعلتَ أم لم تفعل ففي كلتا الحالتين قل: «اغفر لي فلن أعود لمثلِهِ مرةً أخرى». إذا كنتَ تقوم بعملِ يديك فلا تتوانَ البتة ولكن اهتم به بخوفِ الله لئلا تخطئ بدون وعي، وكلُّ عملٍ تؤديه لا تستحِ أبداً من أن تسأل من يعلمك قائلاً: «اصنع محبة وأرني»، وخذ رأيَه أيضاً فيما لو كان عملُك جيداً أم لا. إن دعاك أخوك وأنت جالسٌ تقوم بعمل يديك فاترك عملَك واسْعَ في راحتِهِ، إذا انصرفتَ من المائدة فادخل قلايتك ولا تجلس تتحدث مع من لا ينفعك، فإن كان الجالسون شيوخاً يتكلمون كلامَ الله فاستأذن معلِّمك أولاً فإن أذِنَ لك فاجلس واسمع كلامَهم، وكما يأمرك به افعله. إن أمرك معلمُك بقضاء حاجةٍ خاصة به فاسأله عن المكان الذي تذهب إليه لقضائها وما يشير به عليك لا تزد عليه ولا تُنقص منه. إن سمعتَ كلاماً غيرَ لائق فلا تبلِّغه لآخر. إن أردتَ أن تصنع أمراً لا يهواه الأخ الساكن معك فاقطع هواك واسعَ في خيرهِ لئلا يقع بينكما شكٌ وتجربةٌ. إذا عزمتَ على السكنى مع إخوة فلا يكن لك مع أحدِهم دالة ما. ولا تخلط كلامَك بكلامِهم. إن فعلت ذلك فإنك تمكث زمانك كلَّه معهم في سلامةٍ. وإن طالبوك بأمرٍ لا تهواه فارفض مشيئةَ نفسِك وتمِّم ما يقولونه لك لئلا تحزنهم فتفقدون السلامَ فيما بينكم. إذا كنتَ ساكناً مع أخٍ وسألك قائلاً: «اطبخ لنا شيئاً»، فاسأله عما يُحب، فإن ترك لك حرية الاختيار فمهما وجدتَه موافقاً له اطبخه بخوفِ الله. وكلُّ عملٍ تعملانه اشتركا فيه ولا يطلب أحدُكم راحةَ جسدهِ لئلا يضطرب فكرُ أخيه».