ومن كلامهِ أيضاً: النفسُ المحبةُ للهِ سعادتُها في اللهِ وحده. حِلَّ قلبَك من الرباطاتِ البرانية أولاً، حينئذ تقدر أن تربطَه بحبِ الله. مَن لم يفطم نفسَه من حبِّ الدنيا لا يستطيع أن يتذوَّق حلاوةَ محبةِ اللهِ. إن الأعمالَ الروحانية تتولَّد من الأعمالِ النفسانية، والأعمالُ النفسانية تتولَّدُ من الجَسَدَانية. مَن يهرب من سُبح العالم بمعرفةٍ فإنه يكتنز في نفسِه رجاءَ العالمِ العتيد. الذي يفرُّ من نياحِ الدنيا فقد أدرك بعقلِه السعادةَ الأبديةَ. المرتبطُ بالمقتنيات والملذَّات فهو عبدٌ للأوجاعِ الذميمةِ. بالإيمان يُدرِكُ العقلُ الأسرارَ الخفيةَ كما يُدرك البصرُ المحسوسات. المعموديةُ هي الولادةُ الأولى من اللهِ. والتوبةُ هي الولادةُ الثانية كذلك. الأمر الذي نلنا عربونَه بالإيمانِ، بالتوبةِ نأخذُ موهبتَه. التوبةُ هي بابُ الرحمةِ المفتوح للذين يريدونه. وبغير هذا الباب لا يدخلُ أحدٌ إلى الحياةِ، لأن الكلَّ أخطئُوا كما قال الرسولُ. وبالنعمةِ نتبرَّر مجاناً. فالتوبةُ إذاً هي النعمةُ الثانيةُ وهي تتولَّد في القلبِ من الإيمانِ والمخافةِ. والمخافةُ هي عصا الآب التي تسوقُنا إلى محبةِ اللهِ. فإذا أدركناها تركتْنا ورجعتْ. محبةُ اللهِ هي فردوس كلِّ النعيمِ الذي فيه شجرةُ الحياةِ وما لم يخطر على قلبِ بشرٍ. فمن يدركه لا يموت، لأنه يغتذي بلا تعبٍ من الخبزِ الذي نزل من السماءِ الذي يهبُ الحياةَ للعالمِ. فمن عاش في هوى حبِ المسيح فقد استنشق من ها هنا نسيمَ نعيمِ الأبرارِ بعد القيامةِ. الحبُّ هو هذا المُلك المُعدُّ الذي وَعَدَ به السيدُ المسيح لمحبيه. والحبُّ هو المسيح. لأن الرسولَ يقول: إن اللهَ محبةٌ. وكما أنه لا يمكن عبورُ النهرِ بلا سفينةٍ، كذلك لا يمكن لأحدٍ أن يعبرَ إلى حبِّ الله بغير خوفِ الله. لأن التوبةَ هي السفينةُ، والمخافةُ هي مدبِّرُها، والمحبةُ هي ميناءُ السلامةِ والكرامةِ، حيث يلقَى المتعَبون راحتهم، والعمَّالون المجاهدون نياحَهم، والتجارُ ربحَهم، حيث هناك الآب والابن والروح القدس الإله الواحد له المجد