وقال أيضاً:«سبيلُ الراهبِ ألا يكتفي بنسكِ الجسدِ وتعبِه وحده، بل عليه أن يحصلَ على خوفِ اللهِ ساكناً فيه، فإنه هو الذي يحرقُ الأفكارَ الرديئة ويُفنيها، كمثلِ النارِ التي تحرقُ الصدأ وتنظِّفُ الحديدَ من الشوائبِ. كذلك خوفُ اللهِ يطردُ كلَّ رذيلةٍ من الإنسانِ ويجعله إناءً للكرامةِ يصلُحُ لعملِ اللهِ».
الذي أرشده: «ها قد أريتُك اليوناني والمصري، فمَن مِن الاثنين أرضاك»؟ أجابه قائلاً: «أما أنا فأقولُ إن المصري قد أرضاني». فلما سمع أحدُ الإخوةِ ذلك صلَّى إلى الله قائلاً: «يا ربُّ اكشف لي هذا الأمرَ، فإن قوماً يهربون من الناسِ من أجلِ اسمِك، وقوماً يقبلونهم من أجلِ اسمِك أيضاً. وألحَّ في الصلاةِ والطلبةِ، فتراءت له سفينتان عظيمتان في لُجَّةِ البحرِ. ورأى في إحداهما أنبا أرسانيوس وهو يسير سيراً هادئاً وروحُ الله معه. ورأى في الأخرى أنبا موسى وملائكةُ الله معه وهم يُطعمونه شهدَ العسلِ.
زاره مرةً بعضُ الشيوخِ وسألوه عن السكوتِ وعن قلةِ اللقاءِ، فقال لهم: «إن العذراءَ ما دامت في بيتِ والديها فكثيرون يريدون خطوبتها. فإن هي دخلت وخرجت فإنها لن تُرضي كلَّ الناسِ لأن بعضَهم يزدريها وبعضَهم يشتهيها، ولن تكون لها الكرامةُ إلا وهي مختفيةٌ في بيتِ أبيها. هكذا النفسُُ الهادِئةُ المعتكفةُ، متى اشتُهِرت تبهدلت».