الهروب إلى مصر:
وسبب ارتباط رهبان دير أنبا مقار بالقديس ساويرس الأنطاكي أنه وَفَد إلى مصر هارباً من الإمبراطور يوستينوس الأول (527-565م), والذي كان من المُتعصِّبين لمجمع خلقيدونية, ويَعتبر نفسه رئيساً للدولة والكنيسة في آنٍ واحد. فاتَّخذ لنفسه الحق في عَزْل الأساقفة وتعيين آخرين بدلاً منهم؛ بل كان يدعو لعقد المجامع ويوافق على قراراتها ويلغي البعض منها حسبما يروق له.
أما زوجته الإمبراطورة ثيئودورة (527-548م) فكانت تؤمن بطبيعة المسيح الواحدة، وكانت تُخفِّف وتُهدِّئ من غضب زوجها وتَحدُّ من اضطهاده قدر استطاعتها. وكان لها دورٌ أساسي في هروب القديس ساويرس من ملاحقة الإمبراطور له.
وظل القديس ساويرس فترة حُكْم الإمبراطور يوستينوس الأول في مصر, وكان يُدير شئون الكنيسة عن طريق نوابه، وإرسال الرسائل والكتب لتثبيت الشعب ودحض البدع والهرطقات. وكتب للرهبان (في سوريا)، بعد أن عَلِمَ أنهم كانوا مضطَهَدين: ”أنتم أعمدة وسند مدينة الرب, فإذا كنتم أنتم الأعمدة قد اهتززتم ورُفعتم من مكانكم، فماذا يكون علينا أن نتوقع بعد, إلاَّ أن يكون هناك عقاب الله والأهوال العظيمة التي لا يمكن أن نتفاداها!“(6).
وكانت فترة هروب القديس ساويرس لمصر من بطش الإمبراطور خلال حبرية البابا تيموثاوس الثالث الـ 32 (518-536م). وكان في ذلك الوقت دير القديس أنبا مقار مركزاً للعلوم الكنسية بعد اندثار مدرسة الإسكندرية اللاهوتية واتجاه الكثير من علمائها لحياة الرهبنة, وتأثُّر الرهبان به كمدافع عن الإيمان الأرثوذكسي.