عرض مشاركة واحدة
قديم 11 - 07 - 2012, 12:32 PM   رقم المشاركة : ( 2 )
magdy-f Male
..::| الاشراف العام |::..

الصورة الرمزية magdy-f

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 348
تـاريخ التسجيـل : Jun 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : egypt
المشاركـــــــات : 18,593

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

magdy-f غير متواجد حالياً

افتراضي رد: بابا صادق .. الطائر الروحانى


كتاباته وتسجيلاته


خلف القديس بعد انتقاله ذخيرة كبيرة وثمينة للغاية من الكتابات الروحية النفيسة جدا التي كان يكتبها بخط يده في تأملاته الروحية الخاصة وفي تأملاته بدموعه أثناء صلاة القداس الإلهي ومع أولاده في الرب سواء في كلامه بالنعمة أو كتاباته لهم والتي يعتبروها جواهر غالية من جواهر الروح القدس في حياة الإنسان المسيحي العملية. وقد سمحت إرادة اللـه إن يسجل القديس بصوته على آلة تسجيل في السنة الأخيرة من حياته وموضوعات هامة تعتبر ذخيرة حية من الروح القدس للكنيسة بأجمعها ومن هذه التسجيلات :


- تفسير كامل لسفر الرؤيا (حوالي 14 ساعة)


- تفسير كامل للقداس الإلهي لأنه حياة المسيح على الأرض (أي الأرض السمائية أو السماء الأرضية) حوالي 10 ساعات


- تفسير كامل عن معنى ظهور العذراء في كنيسة الزيتون ودلالتها الروحية وبخاصة في هذه الأيام، وماذا تقصد السماء من هذا الظهور المبارك، وهو تفسير روحي عميق ويكشف عن أبعاد هامة جدا لأيام آخر الزمان التي نعبرها الآن .


- تسجيلات هامة فريدة عن نهاية الأيام والأحداث الأخيرة


- تسجيلات عن حياة الطهارة والإيمان في المسيح


- تسجيلات عن حياة القلق والاضطراب


و تعتبر كل هذه التسجيلات عميقة في الروحانية ومليئة بالتعزيات السمائية وتعتبر كلمات النعمة على فمه الطاهر في تفسير القداس الإلهي آية بالغة من إعلان سمو القداس الإلهي عندما يتمتع به الإنسان المسيحي كما قصد الروح القدس فهو يعتبر بنعمة المسيح أن الكنيسة هي السماء على الأرض أو الذبيحة الإلهية هي المسيح فعلا والهيكل هو الجلجثة.


كما توجد لدى أحد أبناءه كل هذه التسجيلات التي نقلها منه كثيرون في جهات كثيرة بالإضافة لمجموعة كبيرة من الخطابات التي سجلها وأرسلها لأبنائه في مناسبات كثيرة تزيد عن 800 خطاب وكذلك مجموعة من مكاتبات وتأملات خاصة.




مواهبه الروحية :


أ- الرؤى والاستعلانات :


- حبا اللـه القديس بمواهب متعددة حسب غنى المسيح في المجد، فكان يرى ملاكه الحارس كنور شديد ملاصق له طيلة حياته، وقد افصح بملازمته له منذ أن التقى بعواطفه مع المسيح بعد وفاة والده حتى قرب الستين من عمره، وكان يشعر به تماما كما يجلس شخص بجوار شخص آخر.. وأضاف بأنه اختفى بعد ذلك في الفترة التي كثر فيها احتكاكه بالناس وتحدثه معهم.


- كما كان يرى جميع القديسين في الهيكل أثناء صلوات القداس وعند ذكرهم في المجمع كان يراهم بالعيان واحدا واحدا ويميزهم وكثيرا ما كان يرى القديس مارجرجس وكثير من القديسين وخاصة في أعيادهم.


- كثيرا ما كانت السيدة العذراء تظهر له وبخاصة في سهرات شهر كيهك بعذراء روض الفرج ونذكر أنه في أحد الأيام ظهرت البتول العفيفة بعد منتصف الليل بالكنيسة وقد خرجت من الهيكل بثوبها الأخضر الجميل ومعها صليب في يدها فباركته به وهو واقف إلى جوار الهيكل فانحنى ليقبل الصليب ، بعدها دارت في صحن الكنيسة وسط دهشة وتصفيق الكثيرين ومنهم أولاد "بيت النعمة" التابعين للملجأ الذي أسسه المتنيح القمص داود المقارى ثم عادت إليه مرة ثانية وباركته بالصليب ثم دخلت إلى الهيكل واختفت بعدها.


- ذكر الأستاذ ميشيل يسى أن القديس تمتع بأمجاد السماء وكان يرى القديسين كشيء طبيعي في كثير من المواقف، فمثلا كان يقول في بساطة "ياه ده أنا النهارده شفت الست العدرا" كما لو كان إنسان يصف مقابلته لأحد الأصدقاء.




ب-إخراج الأرواح النجسة :


أعطاه الله نعمة وسلطان على الأرواح النجسة التي كانت لا تحتمل مجرد رؤيته أو رسمه لعلامة الصليب وصلوات مزاميره حتى أنه في أحيان كثيرة يحضرون المصابين بأرواح نجسة إلى كنيسة العذراء بروض الفرج ثم يركع هو بجوار الهيكل ويصلى في حرارة بمزامير وتسابيح كثيرة فتخرج الأرواح النجسة التي يصلى عليها الآباء كهنة البيعة الذين يستمدون القوة على ذلك من صلواته وطلباته,


و كان يقول لأبونا بشارة المتنيح "حط ايدك يا أبونا على رأس المريض وأنا ها أصلى جنب الهيكل والروح القدس ها يسندك" فكان اللـه يتمجد في حالات مستعصية كثيرة بايمانه ثم تزف هذه النفوس في الكنيسة فرحا بالشفاء.




ج- معجزاته


1- إطفاء لهيب النار:


كان يتحدث بأقوال النعمة المفرحة مع أبناءه بمنزله بشارع الخشاب في روض الفرج وهو جالس على سريره وأبناؤه من حوله فهب وابور الجاز فجأة في "فردوس" الشغالة وتعلقت بها النار ثم أمسكت النيران بصفيحة الجاز في المطبخ, فصاحت الشغالة وصرخت "الحقونى" وكادت النيران أن تلتهمها وقد امتلأت قوتها حتى الصالة فقام القديس مسرعا والتقط حفنة مياه قليلة من الحنفية ورسمها بعلامة الصليب قائلا "صوت اللـه يطفئ لهيب النار" (مز 29 : 7)، ثم ألقى حفنة المياه على الشغالة والنيران المشتعلة فانطفأت في الحال وكأنه لم يحدث شيئا مطلقا، والعجيب في الأمر انه عاد لموضعه وأكمل حديثه مستمرا في كلام النعمة وأبناؤه من حوله مأخوذين بحلاوتها، بصورة تفوق بكثير إحساسهم بالمعجزة التي حدثت.




2- إنقاذه من حادثة الترام


ذات مرة وأثناء عودته من المصلحة وهو يحمل بيده زجاجة دواء وفي ركوبه للترام تنزلق قدماه ويداه فيقع في الأرض تحت عجلاته وهو يمسك بحديد الترام، وصار مشدودا طيلة محطة كاملة وسط صراخ الناس، لكن السائق لم يلحظ ذلك إلا عند وقوفه في المحطة التالية فتجمع الناس من حوله ظنا أنه قد مات، وكانت المفاجأة بأنه انتصب وجلس في الترام دون أن يصاب بخدش، فأخذ الجميع يمجدون اللـه بينما قديسنا يقول عن هذه الواقعة بأنه عندما وقع شعر بيد تحمله وتضعه على رفرف الترام، وبذلك لم يمسه أذى وكانت يد الملاك الحارس له.




3- شفاء مريض بالسرطان ثم انتقاله


كلفه القمص داود المقارى في أحد الأيام بزيارة مريض بالسرطان في أحد المستشفيات، فذهب إليه بصحبة المتنيح القمص يوحنا عبد المسيح كاهن كنيسة العذراء بروض الفرج، فأخذ بابا صادق يحدثه عن حياة التوبة ولذة العشرة مع اللـه وشركة الروح القدس والتمتع به، وقال له "إن قبلت روح التوبة فيك سيشفيك اللـه، فتأثر المريض جدا واستجاب لروح التوبة فعلا، وبعد يومين ذهب له الكاهن يوم الأحد لمناولته وبعدها جاء الطبيب النوبتجى المتابع لحالته وذهل من اختفاء الورم الخبيث والذي كان واضحا فيه من قبل، فعاد الطبيب إلى التقرير المكتوب على سريره ليتأكد من صحة ما كان بهذا المريض، ثم استدعى الطبيب المعالج (الأخصائي) ليتأكد مما حدث فاندهش بدوره ثم استدعيا رئيس القسم الذي حضر وكشف عليه بعناية فلم يجد أدني أثر للمرض. ولما علم المريض ذلك قام متهللا صارخا "المسيح شفاني ، المسيح شفاني" وخرج من المستشفى فرحا وذهب لمنزل القديس وهو يتحدث مع كل أحد بصنيع الرب فنبهه القديس أن الرب قد قبل توبته وسيأخذه إليه بعد شهر ، وفعلا عاش الرجل شهرا واحدا ثم رحل إلى السماء في تمام القداسة والتوبة وكان انتقاله بصورة طبيعية.




4- شفاء شاب بمرض معدي :


حدث مرة أن كلمه أحد خدام الكلمة عن شاب مرض بمرض قال عنه الأطباء "أنه مرض نادر الحدوث، وهو معدي لكل من يقترب منه ويجعل المريض ذو رائحة كريهة للغاية فكان أهله يضعونه في حجرة في نهاية طرقة طويلة ويقدمون له الدواء والطعام من خلال ثقب في اسفل الباب بواسطة يد طويلة وكانوا في حالة حزن وبكاء مستمر، فصلى المبارك أن يرشده اللـه لحقيقة هذا الشاب، وبعد صلاته خرج مع الخادم وهو شاعر بأن اللـه يدبر خيرا، وفعلا ذهبوا إلى المنزل وأراد بابا صادق مقابلة الشاب فمنعه أهله ببكاء شديد خوفا من أن يموت بنقل العدوى إليه واخبروه أنه غير مسموح لأحد أن يدخل إليه لخطورة مرضه، ولكنه طمأنهم أنه بالمسيح سيدخل، وفعلا دخل بمفرده لذلك الشاب وأخذ يحدثه عن قوة اللـه في الضعف ومحبته فاستجاب الشاب متأثرا بكلام النعمة ببكاء شديد ففي الحال اختفت الرائحة النتنة التي كانت تنبعث منه وطلب القديس أن تقدم له نعمة التناول من الأسرار المقدسة بعدها شفى الشاب تماما وكان أهله يسبحون ويمجدون ويشكرون صنيع اللـه على تحننه بالشفاء لهذا الشاب.




5- قامت من غيبوبة استمرت لشهور


كانت زوجة زميل له في المصلحة (يدعى حبيب) مريضة بمرض عضال قال عنه الأطباء أنه لا يمكن الشفاء منه ولكن كان يقدم لها بعض المسكنات لأن عمرها لن يطول اكثر من شهور وكان البار يزورها يوميا بعد نهاية عمله بالمصلحة بكل الحب متأثرا لما هي فيه وبعدما ساءت حالتها جدا أخبره صديقه بأن زوجته بخير ولا داعي لأن يتعب نفسه ويزورها لشعور صديقه بمدى الألم والتعب الذي يحس به بابا صادق حين يرى زوجته المريضة وبالفعل انقطع المبارك عن زيارة منزل صديقه طيلة 4 أيام ومساء اليوم الرابع شعر بحنين شديد لزيارته، فقام مسرعا وذهب إليه فسمع صراخ شديد بالمنزل وعويل فانزع بالروح وذهب مسرعا لسريرها وكانت الساعة 8 مساء (و قد ظن أهلها أنها توفيت منذ الساعة الرابعة) وصرخ القديس في الحال "فين أختي ايلين، فين أختي ايلين" وقد امسك عمود الحديد المحيط بسريرها بإحدى يديه ورفع اليد الأخرى ليصلى وإذ بالحجرة تمتلئ برائحة بخور ذكية جميلة جدا ملأت البيت بأكمله، وفجأة حركت المريضة رأسها وكانت قبل ذلك في غيبوبة لمدة طويلة تصل لعدة شهور فناداها القديس وقال لها "أختي ايلين، هل رائحة البخور مضايقاك؟ فنطقت لأول مرة وقالت "أبدا يا اخويا صادق" فقال لها "لقد كان بفضل انك مع أخيك (يقصد نفسه) أن تمتعت برؤية المسيح حالا فوق رأسك بثوبه الأبيض، وهو يضع يده على رأسك ، قومي يا أختي المسيح شفاكى" ومن هذا الوقت قامت المريضة بكامل صحتها وعافيتها.




6- إقامة حكمت من الموت :


حكمت ابنة أخيه المتوفى والذي عهد بتربتيها ورعايتها مع والدتها "فايقة" تزوجت من إنسان شرير قاسى أتعبها كثيرا وأهان بابا صادق كثيرا وكان قديسنا يتحمل آثامه وأخطائه وإهاناته ويصلى لأجل خلاص نفسه. وقد قام هذا الإنسان في ذات مرة بالشجار والخصام والإهانة والتهديد لزوجته حكمت والتي كانت مصابة بارتفاع في ضغط الدم وإذ بها تنهار وتصرخ وتقع ميتة. فقام أولاد القديس بالروح بحملها ووضعها على السرير وقد تغيرت بشرة الجسم إلى اللون الأزرق وتوقفت عن التنفس وبرد الجسم بأكمله، فجاء القديس ووقف في حرارة ودموع أمام أيقونة العذراء بحجرته وهو يقول "الحقينى يا عدرا يا أمي، الحقنى يارب، يا مارجرجس الحقنى، ما تسمحش يا إلهي انك تاخد روح بنتى دلوقت قبل ما تكمل توبتها" وما هي إلا لحظات حتى هاج الآخرين من حوله أنها قد عادت للحياة ودبت فيها الروح من جديد والدم بدأ يسرى في عروقها وتختفي زرقة الجسد فيتحول إلى لونه الطبيعي وقد تفتحت عيناها ونبض قلبها ثانية وسط دهشة الكل وبكاءهم فصار الجميع يمجدون ويسبحون اللـه.




د- سلطان الكشف الروحي :


1- كانت كلمة القديس نافذة جبارة قاطعة، ما أن يتفوه بشيء إلا ويحدث تماما لعلمه المسبق بوقوعه بقوة الروح القدس الذي كان يكشف بداخله أغوار المستقبل وأحداثه.


و يحكى مرة انه ذهب للصلاة على صبى مريض فخرج يقول لوالدته "ربنا هياخده" فقالت "ليه" قال "ربنا قال أنا عاوزه" وأخرى قال لها في إحدى المرات "ابنك ده ابن هلاك" وقد كان، فحينما كبر ارتد وباع المسيح.




2- جاءته في أحد المرات ابنة من خاصته الروحيين لتأخذ مشورته في أمر الارتباط من أحد الأشخاص فصلى من اجلها وكشف له الرب بأن هذا الإنسان سينتقل قريبا فقال لها "يا بنتى ما تتجوزيهوش، ربنا مش رايد الجوازة دى وهياخده عن قريب فبلاش تترملي وتعيشي في مرار بعد كده". إلا أنها لم تقتنع وعرضت الكلام على أحد الأطباء العقلانيين الذي تأفف من كلام القديس ونعته بالجنون، وهو يقول "هو كان ها يدخل في علم الغيب؟ وبالفعل تزوجته وعصت كلام رجل اللـه وكان أن ترملت بعدها بشهور قليلة جدا وتدهورت حياتها لأجل حملها أيضا.




حروب الشياطين :


قامت مملكة الشياطين على مدار حياة القديس بمحاربته بطرق وأنواع شتى، فكانت تضايقه عن طريق غربلة أولاده الروحيين والنفوس المؤتمن على رعايتهم (أي المعنى بخلاصها الروحي) واكبر ضربة في ذلك أن يشوه الشيطان وجنوده صورة السماء أمام مريديه ويزينون الأرضيات أمامهم فيتصادمون مع المبادئ الروحية التي تربوا عليها تحت أقدام القديس.


حتى أن أحد السيدات رأت في حلم اجتماع لرئيس الشياطين بمملكته الشريرة وسؤاله عما فعلوه بصادق، فكانت إجاباتهم مركزة في مضايقته عن طريق من حوله، أما هو فلم يستطيعوا مجرد الاقتراب منه.


و في مرة حكى القديس بعد أن قام من نومه بأن الشياطين قد اجتمعت من حوله وضربته بالسياط بقسوة وعنف حتى كاد جسده أن يتقطع لكنه فرح ومجد اللـه الذي أعانه على مواجهة جلداتهم له وقال وهو يحكى "لكنى كنت فرحان ومليان من سلام اللـه.




المرض والتعزية


رأي الجميع بأعينهم وشاهدوا كيف كان القديس يمات كل النهار في الآم جسده ولكنه كان يشكر اللـه دائما والابتسامة على فمه رغم أنه مريض بالربو (حساسية الصدر) وهو من الأمراض الخطيرة، حقا كان هذا ليس تظاهرا ولا افتعالا بل نطقا بطبيعة السلام الروحي التي يحيا فيها أولاد اللـه بحياتهم الروحية ولا يعزيهم في حياتهم به إلا وجود اللـه معهم بروح قدسه فيهم مثلما كان مع الفتية القديسين في أتون النار المتقدة. والعجيب أنه لم يهتم بطلب الشفاء لنفسه في صلاته إلى اللـه ولما سئل عن سبب ذلك قال "إنني أؤمن يا أولادي إن اللـه أمين وصادق في مواعيده وسيستجيب لي متمشيا مع طلبتي في الشفاء ولا أريد إظهار هذه الرغبة لتعلن في إرادة اللـه فقط لا إرادتي فكل يوم ألمس بركات المرض من ظهور عمل الروح القدس في ضعفى".


و قد وجدت عدة تأملات كثيرة للطوباوي في فترة مرضه دونها بيده قبل انتقاله وفيما يلي مقتطفات منها :


أشكرك يا إلهي ومخلصي لأنك جعلتني بروحك القدوس أدرك واشعر بأن مرض جسدي وتعبه هو علاج لأمراض روحي، إذ اهتم بالباقي دون الفاني، والروح دون الجسد، فأنحصر في مواعيدك الروحية بروح قدسك وفي محبتك وطول أناتك والتجرد من كل ما جرته إلى داخل كياني وروحي وحينئذ تميزني أنت بحبك وبشخصك فتشفى نفسي واشعر بأن شفائها هو شفاء لجسدي إذ يصبح أداة بيد نفسي المملوكة لك أي اصبح جسدا ونفسا ملكا لك وتصبح أنت حياتي بتذوق نفسي حياتك هذه عمليا بالروح القدس يوميا بمراحلها من الميلاد حتى الصعود في صلوات الروح وفي شركة الأسرار المقدسة والأصوام وأعيادك وحياتك في حياة قديسيك، بل وحياتك المعلنة بما ينقله إلى حسي الوجود وكل ما فيه، إذ بهذا أتممت خلاصي من إنساني القديم، إنسان الفساد والموت والظلمة والجحيم الأبدي الروحي اختفى هو وعالمه الميت، أما فيك يا مخلصي عدت بإنساني الجديد إلى ممارسة تمتعي بالحياة معك كصورتك ومتسلطا على كل ما خلقته لي على مثالك أنت خالقي واصل كياني الإنساني كصورة حية لك وبك.


+++


إلهي الحبيب الفادى يسوع، خلصتني من ذاتي بتجسدك مصلوبا عنى على الصليب الذي أحمله في صورة جسدي وكل جسد وأنت عنى عليه مصلوب، يشعرني شعر رأسي بإكليلك الشوكي، ويداي وقدماي بمساميرك، وجنبي بطعنة الحربة في جنبك وكل ما أشربه بمرارة الخل الذي سقيته في عطشك وعرقي يشعرني بدمك المسفوك عنى وأشعر في تردد أنفاسي بلهيب نيران آلامك وفي نبضات قلبي بصدى أوجاعك على الصليب.


+++


كل ذلك من أجلى أنا الخاطئ مبررا بفدائك الإنسان ومعيدا إياه إلى صورتك في شخصك الذي فيه أرى كل وجه في وجهك، بل فيه أرى وأحس بكل السموات وملئها والوجود بكلياته.


+++


حقا يا إلهي ومخلصي الحبيب أبناءك هم أبناء النور والحياة والقداسة في المسيح فاديهم الحبيب وفيه وفي حبه وحده منحصرون، وغير أعمال صلاحه وحبه لا يستقبلون ولا يدركون إلى الأبد، فهم في ملكوته بإنسانهم الجديد يعيشون ويتنعمون وبالروح القدس للمسيح لابسون ومن خلاله يرون به ما يرون وفيه مع الآب بروح قدسه يتناجون كأبناء وورثة للـه بعربون ميراثهم وهو روح قدسه يتنعمون إذ به تنسكب محبة الفادى التي فيها يذوبون، فلا غرابة إذا بدوا لأهل الجسد انهم عميان وبكم، بكل أمور عالمهم لا يحسون لأنهم بإنسانهم الروحي في عالم الملكوت بالروح القدس في المسيح الحبيب وحده يحيون وغيره لا يدركون لأن غيره بالنسبة لهم فناء وظلمة بكل كائناته عدم فلا يوجدون وهم في نظر أهل العالم على أنفسهم منطوون وفي صومعة الصمت أغلقوا على كيانهم فلا يسمعون ولا يبصرون فهم عن العالم مائتون وبالنسبة لأهل العالم لا يوجدون.


+++


فادى الحبيب يسوع المسيح، أنا الخطية ولكنك أنت لي البر، أنا الموت، ولكنك أنت لي الحياة، أنا الضعف وأنت لي القوة، أنا العار وانت لي المجد، أنا الذل وانت لي العزة، لأنك أخذت الذي لي وأعطيتني الذي لك، وانت ثابت في.. فأنت يارب لي الحياة والقوة والمجد والبركة والعزة والسعادة والنور والحكمة إلى الأبد وأنا متغرب في الجسد وفي العالم إلى أن اعبر بك وفيك ولك وحدك طريقي إلى موطني السمائى فأدخل إلى خدر عرسك الإلهي كعروس لك في أورشليم السمائية يا عريس نفسي المجدد انت خلقتها فيك أيها الحبيب وحدك لكل جنس البشر.




نياحته ودفنه


يقول أبونا لوقا سيداروس "عندما أصيب عم صادق بمرض الحساسية في صدره وكان المرض يمنعه من النزول حتى إلى الكنيسة، كان يعيش وهو في منزله معنا بالروح في الكنيسة، يتابع القداس بروحه حركة حركة وكلمة كلمة، وكان يشعر وأن كان غائبا بالجسد ولكن روحه تتمتع بشركة الكنيسة وعبادتها وعندما كان يضطر إلى التناول من الأسرار المقدسة وهو في المنزل بسبب المرض، يا للمخافة والرهبة ويا للحب الجارف الذي كان يقدمه للمسيح ودموعه كانت تملأ عينيه قائلا: " انت يا حبيبي جاي لحد البيت الحقير ده، لعبدك المسكين" وكان رغم ضعف جسده ومرضه الشديد يسجد متواترا إلى الأرض وهو بالكاد يلتقط أنفاسه ولكن الروح النشيط كان لا يكف عن تقديم العبادة والبذل والحب لذلك الذي احبنا إلى المنتهى".


و رغم اشتداد مرض الحساسية عليه في أيامه الأخيرة وصعوبة تنفسه إلا أنه كان ملتهبا دائما بالغيرة نحو كلمة اللـه الحية، فما أن يفتح فمه للحديث بكلام الحياة الأبدية تختفى آثار المرض بالتمام ويعود للتنفس بشكل طبيعي، وكانت زوجة أخيه تبادره قائلة "يا أخى أنا حقا متعجبة من أمرك، من دقائق قليلة كنت في حال الموت، فما بالك الآن تتكلم ، اسكت قليلا لتستريح فكان يجيبها بابتسامة لطيفة "يا أختي إلا تعلمين أن كلمة اللـه حية ومحيية أنني وأنا انطقها بفمي تحييني".




انشغل بابا صادق في أواخر أيامه بموضوع نهاية العالم والأحداث الأخيرة وكأن الروح القدس قد كشف له بقرب مجىء العريس لينبه الجميع إلى الاستعداد لملاقاته في عمق التوبة والسهر الروحي.


و قد شاء الرب أن يكون ظهور السيدة العذراء فوق قباب كنيستها بالزيتون قبل رحيله بعام تقريبا ولأن نظرته دائما فوق المنظور والمحسوس فقد أقر لأولاده بالروح :أنا مش محتاج أشوف العدرا خارج قلبي ، العدرا جوايا ، جوايا وحاسس بيها، دى أمي أدور عليها خارج قلبي ليه؟"


هذا وقد فسر القديس هذا الظهور من بعدين قويين :


أولهما: أن العذراء قد ظهرت للعالم كله وهي تنذر بأن ابنها قريبا جدا على الأبواب، فاستعدوا


ثانيهما: أنها ظهرت خارج الكنيسة وليس داخلها علامة لأن هذا الشعب يعبد الرب بالشفاه فقط والقلب بعيدا عنه، أي انه يبحث عن الشكل الظاهري فقط في عبادته للمسيح.




إشارات بالرحيل


لما أوشكت أيام قديسنا على الانتهاء كشف له الرب له المجد عن ذلك اليوم الذي سيرحل فيه من عالم البؤس والشقاء، فبدأ يعلن هذا لمحبيه وأولاده بالروح.


و يذكر أ/ميشيل يسى بأن بابا صادق بكى يوم الثلاثاء قبل رحيله بيومين وطلب أن يرى أبونا بيشوى كامل الحبيب إلى قلبه، فأخبره بأن قداسته سيسافر إلى الخارج للخدمة وهو يستعد لذلك، فقال لهم قديسنا "خلاص أنا هاشوفه بعدما أموت (يقصد وهو في الروح).


و يضيف أ/ميشيل أن أحد أبناء القديس ويدعى لويس زاره يوم الأربعاء السابق ليوم انتقاله وأحس من خلال سلامه وقبلته له بأن ذلك سيكون آخر مرة للقائه في الجسد فبكى ابنه لويس وقد أوصاه القديس قائلا "تبقى تذكرني يا لويس في القداسات" (يقصد التراحيم).


و كانت نصيحته للجميع قبل انتقاله "اهتموا بخلاص نفوسكم وبس، الواحد ينفد بجلده، لغة الكلام مش مجدية".


و أخيرا شاء الرب الحنون أن ينتقل هذا القديس إلى السماء صباح يوم الخميس الموافق 6 نوفمبر سنة 1969 م بعد حياة كاملة بالمسيح وفي المسيح مدتها 70 عام بالتمام اخرج فيها الروح القدس من عمله كنوزا جددا وعتقاء.




شعائر التجنيز


حددت موعد الجنازة بكنيسة القديس تكلا هيمانوت بالإبراهيمية وكانت قريبة من منزل بابا صادق واجتمع محبيه وأولاده وأقاربه وعشرات من الآباء الكهنة على رأسهم القمص بيشوى كامل الذي ألقى كلمة روحية غاية في العمق والروحانية تليق بمقام هذا البار الذي عاش بينهم وعاشروه شاهدين بقداسته ناهلين من فيض أبوته وتعاليمه.


ثم زف جسده الطاهر في الكنيسة وسط تسابيح الشمامسة والشعب وقد ظهر أثناء تشييع جنازته رائحة بخور قوية كانت تتصاعد من جسده الطاهر كشمعة تحترق اشتمها الجميع بتعجب شديد حتى اخوتنا المسلمين.


و لازال منزله إلى الآن بالإسكندرية يفوح منه رائحة بخور زكية كما أن ملابسه التي كان يلبسها ساعة نياحته مازالت إلى الآن بعد غسلها يفوح منها رائحة الطيب.




ظهور ملاك عملاق


بعد خروج جسده ليتم دفنه بمدافن الشاطبى بالإسكندرية تبرع أحد معارفه أن يدفن عم صادق في مدفنه، ولكن زوجته التي كانت تحيا بروح العالم قالت أننا لا ندفن غريب في مدفننا، فتقدم آخر وقال "أنا سآخذ عم صادق"، وبينما هم في هذا الخلاف إذ بهم يرون فجأة رجل يخرج من بين المقابر صوته كصوت الرعد طويل القامة جدا ولم يكن أحد يعرفه أو رآه من قبل وهو يقول "انتوا ما تستهلوش عم صادق يندفن عنكم أنا هادفنه عندي" وكان موجود في هذه الأثناء أبونا لوقا سيداروس وتعجب جدا من رؤية هذا الرجل فقال له أبونا انت مين وجاي منين؟" فقال له "مش مهم تعرف أنا مين. فاقترب أبونا ليتبينه وإذ به يختفى ولا يوجد له اثر بالمرة. وفي هذه اللحظة سمع من ينادى ويقول أن أهل القديس حضروا من مصر وهم مصممون على دفنه بمدافن العائلة بمدافن القديسة بربارة بمصر القديمة، فعادت العربة التي تحمل الصندوق إلى الكنيسة مرة أخرى ليمكث الجسد أمام الهيكل حتى الصباح وسط تسابيح وتماجيد أبناءه في الرب وقد كانت تعزية كبيرة جدا دون قصد من إنسان بل بالتدبير الإلهي أن يحتفل بهذا البار بطريقة تشبه الآباء البطاركة أو الأساقفة، وفي الصباح صلوا القداس الإلهي ثم سافروا به إلى القاهرة حيث تم دفنه. وكان أقاربه وأهله عند حضورهم من القاهرة قد تاهوا عن معرفة المنزل والكنيسة التي سيصلى فيها فاحتاروا وطلبوا من الرب إرشادهم، وإذ بهم يشتمون رائحة بخور ذكية تفوح فجأة فاقتفوا أثر الرائحة حتى تمكنوا من الوصول إلى الكنيسة وهم يمجدون اللـه فحقا يصدق قولك يا إلهنا (عزيز في عيني الرب موت أتقيائه) (مز 116 : 15)


مكانته عند رجال الكنيسة :


و قد وقع خبر انتقال بابا صادق كالصاعقة على نفوس الجميع وأحس من حوله بفقدهم ذلك البار الذي كان ينبوعا للمياه التي تروى كل حين بالروح القدس حتى أن نيافة الأنبا شنودة أسقف التعليم (قداسة البابا شنودة الثالث) حضر للتعزية في اليوم الثالث لانتقاله قال لأولاده بالروح "لما بلغوني أن عم صادق تنيح حسيت برهبة لأن الرجل ده ليه مكانته الروحية".




معجزات بعد انتقاله:


كما تمجد الرب في حياة قديسه على الأرض هكذا تمجد أيضا بعد انتقاله إلى السماء في حالات كثيرة من شفاء أمراض عن طريق لمس بعض ملابسه ووضعها على المرض بإيمان، كما ظهر لكثيرين بعد نياحته وكان يحدثهم بأحاديث النعمة مشجعا إياهم على طريق التوبة ومن هذه الحالات نذكر ما يلي:


1- رجع البصر لايفون :


إيفون ارتبطت بروح القديس عن طريق كتاباته وأقواله ومعجزاته دون أن ترى شخصه وفي يوم وجدت أنها لا تبصر بإحدى عينيها وأخذت العين الأخرى ينتابها ضعف شديد وكانت تبصر بها بصعوبة بالغة ومرت على كبار الأطباء ففشلوا في علاج حالتها فساءت نفسيتها جدا.


و في يوم كانت جالسة على سريرها بجوارها صديقة لها تدعى (فاطمة) كانت تقرأ لها من كتابات بابا صادق عن المحبة وبعد أن انتهت من قراءتها أخذت ايفون تقول "فين المحبة دى فين المحبة دى يا بابا صادق اللى بتقول عنها، هو فيه حد عنده محبة، وإذ بها ترى بابا صادق أمامها بالصورة التي علقت بذهنها (حينما كان يلبس بيجامة ويحمل إنجيله وصليبه في يده) وهو يقول لها "بنتي ايفون فين إيمانك فين إيمانك يا ايفون"


ثم وضع القديس يده على عينيها ففي الحال أبصرت وقد اندهشت صديقتها فاطمة التي كانت معها وقت هذا الظهور تسمع ما يقوله القديس ولكن لا تراه.


و قد شهدت ايفون بهذه المعجزة لأحد أبناءه بالروح وكان حين أتت إليه أن رأي أصابع القديس ظاهرة على وجهها مكان لمسه لها.. وكثيرا ما كان قديسنا يظهر في رؤى وأحلام كثيرة لآخرين، يرشدهم ويذكرهم بكلام النعمة والبنيان فيمتلئون من سلام اللـه وفرحه.




2- توبة أحد الشباب


يقول قديسنا المتنيح الأنبا يؤانس "كان لي طالب في القسم الليلي في الكلية الاكليريكية بالقاهرة وكان قريب بالجسد للأخ صادق، وروى لي بنفسه أنه عاش حياة مستهترة كشاب ارتكب جميع الخطايا، وكانت أمه كثيرا ما تنصحه أن يذهب ليجلس مع الأخ صادق، ولكنه لم يفعل وحضر جنازته ووقف أمام جسده وقال في نفسه "يارب كل الناس بيقولوا عن هذا الرجل انه قديس، فإذا كان قديس بالحقيقة أعطني يارب أن أتوب عن كل خطية وكل شئ".


و خرج من الجنازة باعترافه إنسانا جديدا حتى التدخين الذي كان مستعبدا له، أقلع عنه.




3- شفاء من روماتيزم بالقلب


في سنة 1970م تعبت الطفلة مارى (5 سنوات) حفيدة حكمت (التي كان القديس يرعاها هي وأمها) بمرض روماتيزم في القلب، وكانت سرعة الترسيب عالية، والطفلة طريحة الفراش دون حركة، وفجأة وبدون وعى طلبت بيجامة القديس ولفتها حول جسدها وفي الحال تغير لون وجهها الشاحب وقالت لوالدها "يا بابا المسيح شفاني، أنا جبت هدوم بابا صادق وحطتها على فحسيت إن ربنا شفاني" وبالفعل ما قالته صحيح إذ كان شفاء إعجازي ليس له مثيل وهي الآن شابة يانعة متزوجة وأم لأولاد ومقيمة بالإسكندرية.




4- شفاءه من سرطان الكبد


أخبرني أ/ميشيل يسى (الابن البكر الروحي للقديس) أن أحد المستشارين من غير المسيحيين (رئيسا لمحكمة الاستئناف بدرجة نائب وزير) تعب بسرطان في الكبد فأرسلت له قطعة من ملابس القديس وقلت له إن كان عندك إيمان ربنا ها يديك حسب إيمانك فقال أنا أؤمن وبوضعه قطعة القماش مكان المرض أصبح طبيعيا وزال الورم الخبيث عنه نهائيا. وقد قالت زوجته للأستاذ ميشيل "مش عايزة أقولك حتة القماشة اللى جبتهالى دى عملت معجزات أد إيه".




مقالات النعمة :


كتب قديسنا هذه القصة بمناسبة عيد الميلاد المجيد ونشرت في جريدة الأنوار في 14 يناير 1951:


استيقظت إحدى القرى المسيحية صباح عيد الميلاد ولا حديث لها إلا عن ذلك الغريب الذي هبط على القرية ليلة العيد، وكان يتصدى رواد الكنيسة عند انصرافهم يسألهم مأوى عندهم من وجه الفاقة والبرد والمرض، فخشى الناس أن يكون محتالا أو ناقلا لعدوى المرض فأعرض البعض عنه واكتفى البعض الآخر بما تصدق به عليه، والغريب من أمره أنهم لا يعلمون عن مصيره شيئا إذ لم يبد له أثر في القرية كلها في اليوم التالي وقد طغى الحديث عن هذا الغريب على حديث الكاهن عن حوادث الميلاد المجيد.


انقضى الاحتفال بالعيد واستأنف أهل القرية أعمالهم واقبلوا على مشاغلهم ، فلما كان يوم الأحد التالي، وقد أخذوا طريقهم إلى الكنيسة عاودتهم ذكراه إذ أثار الكاهن في عظة ذلك الصباح موضوع ذلك الغريب قائلا "لعلكم تذكرون يا أحبائي ليلة عيد الميلاد عند انصرافكم من الكنيسة حتى التقيتم عند خروجكم بهذا الغريب الذي كان غريبا حقا في مظهره وفي مطلبه الذي خفتم منه ولم يقبل أحد منكم أن يقبله بل كان كل واحد منكم يتحاشى ما يعيقه في طريقه إلى داره في هذه الساعة المتأخرة من الليل القارس البرد.


و قد تقدم لي هذا الغريب وكنت مأخوذا من جميع مشاهد ميلاد الرب بمشهد اتضاعه الفائق من قبل حبه الذي يفوق كل عقل وكنت في طريقي إلى دارى اسأل نفسي "ترى من كان في استقبال ملك السموات والأرض عندما شاءت محبته أن يتفضل بافتقاد جبلته في مثل هذه الليلة مع انه أعلن عن مقدمه المبارك بمعلنات روحية التي حملها رسله أنبياء العهد القديم معلنات محكمة الحلقات تناولت كل ظروف وملابسات تجسده السامى لخلاص البشر؟ ترى أي مكان ملكي أعد لاستقبال الملك السماوي؟ ثم سألت نفسي والأرض تعيد الآن ذكرى هذا الميلاد المجيد، من الذي يحف من أهل الأرض لاستقباله بما يليق له؟ وأي مكان أعد بحق لتشريفه؟ وبينما أنا مسترسل في هذه التأملات إذ بالغريب يدنو منى ويقرع سمعى بمطلبه وكان بادى الضعف والعوز فاستمررت أقول لنفسي "ألم يأخذ المسيح له المجد بتجسده كل ما لنا ما عدا الخطية ليعطينا كل ما له حتى نتبرر نحن المؤمنين ببره ونحيا معه في مجده، وماذا كان لنا سوى العرى والفقر والطرد والمرض وموت النفس والجسد بسبب الخطية لذلك جاء الملك السماوي في موكب الانسحاق بالمسكنة والأوجاع والألم في طريق الموت وصعد في موكب الغلبة والانتصار والمجد ليعطينا بشركته فيه أن نجتاز معه طريق الألم وندوس به شوكة الخطية التي هي الموت لنملك معه إلى الأبد، وما ذكرى عيد مولده المجيد إلا ذكرى وضع قدمه في أول هذا الطريق ، طريق الألم والموت، وها هي نواقيس الكنائس تدوي داعية إلى الاشتراك في ميلاد الفادى بالاشتراك في الألم معه، من مولده إلى صعوده لأنه من لم يتألم معه لا يتمجد معه، فلنسلك في جدة الحياة بالروح وليس حسب روح العالم كغرباء في هذه الأرض طالبين المدينة الباقية أورشليم السمائية. وما كدت انتهى من تأملاتي إلى هذا الحد وكنت على مقربة من دارى حتى رأيت هذا الغريب يقف في طريقي ملتمسا له مأوى معي في دارى ففتحت له ذراعي وعانقته قائلا : مادمت انت غريب فأنت أخى لأنني غريب مثلك في هذه الأرض، وما دمت تطلب مأوى فليس لي مأوى إلا في السماء في شخص المسيح، وأنا في طريقي به إليها، فلن تفارقني منذ الساعة حتى نأوى به إليها سويا. ثم عانقته فرحا فشعرت بسلام يفوق العقل يملأني ورهبته تفوق تتملكني، إذ أضاء المكان من حولي وظهر لي المسيح في مجده فسقطت على وجهي فأقامني وباركني قائلا : " يا كاهني ، علم أولادي إلا يلتمسونى في بيت لحم بل يلتمسونى أولا في قلوبهم اللحمية، وقد أعطيتهم كل وسائط نعمة روحي القدوس وحررتهم بولادتهم الثانية من الخطية فليحفظوا إرادتهم المحررة هذه لاشتهاء وعمل وصاياي بقوة ومسرة ولا يعودون يسخرونها لشهوات الجسد والعالم، علمهم في الأحد القادم إلا يحبوا بالقول واللسان بل بالقلب والعمل لأنى محبة ورحمة وقل لهم لو كانت لهم في شركة حقيقية لما رفضوني الليلة انهم لم يقبلوني في ديارهم لأنهم لم يعطوني قلوبهم، اكشف لهم ما كشفت لك في هذه الليلة من أمري، ادعهم إلى إحياء ذكرى مولدي بتجديد ميلادهم الروحي بالتوبة عن حياة الجسد والعالم حتى لا يصير قلبهم بعد مزودا للأفكار الحيوانية والشهوات البهيمية، بل عرشا مقدسا لي بإطاعة روح قدسي الساكن فيهم وذلك بأعمال الرحمة والمحبة وبعملهم بجميع وصاياي حتى لا يأتى دم أحد منهم على رأسك ونعمتي تشملك". فسجدت له بروحي ممجدا ومباركا عظمة ومحبة الفادى مؤمنا أنه يعيننى بروح قدسه على تأدية هذه الرسالة إليكم بالعمل لا بالقول. له المجد إلى الأبد آمين.




من تأملاته : (توبة أهل نينوى ):


اعلم يا بنى أن الخطيئة تثير دائما غضب العدالة الإلهية وتستنزل قصاصها العاجل بالخطاه ، ولكن الرحمة تجعل حكم العدالة بالقصاص مسبوقا بالإنذار والإمهال لكي بالتوبة ترتضى العدالة أن تنيب عنها الرحمة في عمل الخلاص، وبالتمادى ترتضى الرحمة أن تنزل العدالة صادم القصاص، فليذكر أهل الأرض أن فيه الرحمة والعدل تلاقيا، فمن دعاه احتضنته رحمته بجناحيها، ومن طغى سحقته عدالته تحت قدميها، وطوبى لمن لا يستهين بغنى لطف اللـه وطول أناته لكيلا يذخر لنفسه غضبا يوم الغضب.


يا لها من مهلة طويلة تلك التي أعطيت لك يا نينوى، من منا يضمن لنفسه لا أربعين ساعة بل أربعين دقيقة قبل الوقوع في يدي عدالة اللـه المخيف، إذن يا ويلنا بما أضعناه من فرص التوبة فيما مضى من إمهال، ويا ويلنا بالأكثر إذا لم نلق بأنفسنا في أحضان التوبة في الحال.


أنها حقا ساعة لنستيقظ إذا كنا لم نستيقظ حتى الآن.




أعلن أحد البنوك أنه يوجد مبلغ ضخم من المال ودائع في البنك لا طالب لها، وأنه يرجو من أصحابها التقدم بما يثبت حقهم فيها لصرفها إليهم، نشر هذا الإعلان فلم يتقدم إلا نفر قليل اخذوا حقهم قبل سقوط هذا الحق، وأما الباقي فقد يكون البعض منهم قد ماتوا في فقر وهم لا يدرون بما هو مدخر لهم والبعض الآخر يكدون ويكدحون من أجل النذر القليل الذي لا يسد عوزهم وهم لا يدرون بما لهم من رصيد تحت أمرهم أو يعيشون في فقر مدقع وهم يجهلون ما هو مودع لهم، فما أعظم هذه الودائع المدخرة لنا في المسيح ، في روح المسيح فينا ، الروح القدس الذي نلناه بسرى المعمودية والميرون الذي أعطانا الحق في المطالبة بما هو مرصود لنا من كنوز النعمة ومواهب الروح القدس لنعيش في غنى روحي ونغنى آخرين، فماذا فعلنا بودائعنا، أننا بلا عذر في إهمالها، فلنتذكر يوم الحساب فانه قريب على الأبواب (مت 25 : 19).




هل تعلم أيها المؤمن مدى ما تخسره انت والكنيسة والعالم كله والمسيح نفسه إذا أهملت حقك في الامتلاء من الروح القدس؟ حذار أن تكون مستبيحا بهذه البركات كعيسو فتضيع خلاصا هذا مقداره.




  رد مع اقتباس