الزيارة الخامسة
أورد القديس يوحنا فى إنجيله
أحداث هذه الزيارة بعد كلامه السابق مباشرة كما يلى:
"أما مريم فكانت واقفة عند القبر خارجاً تبكى.
وفيما هى تبكى انحنت إلى القبر، فنظرت ملاكين بثياب بيض جالسين
واحداً عند الرأس والآخر عند الرجلين، حيث كان جسد يسوع موضوعاً.
فقالا لها يا إمرأة لماذا تبكين.
قالت لهما إنهم أخذوا سيدى ولست أعلم أين وضعوه.
ولما قالت هذا التفتت إلى الوراء فنظرت يسوع واقفاً ولم تعلم أنه يسوع.
قال لها يسوع يا إمرأة لماذا تبكين.
من تطلبين؟ فظنت تلك أنه البستانى فقالت له يا سيد
إن كنت أنت قد حملته فقل لى أين وضعته وأنا آخذه.
قال لها يسوع يا مريم. فالتفتت تلك وقالت له ربونى.
الذى تفسيره يا معلم. قال لها يسوع لا تلمسينى لأنى لم أصعد بعد إلى أبى.
ولكن اذهبى إلى إخوتى وقولى لهم إنى أصعد إلى أبى وأبيكم وإلهى وإلهكم،
فجاءت مريم المجدلية وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب
وأنه قال لها هذا" (يو 20: 11- 18).
فى هذه الزيارة الخامسة والأخيرة للقبر،
نرى مريم المجدلية وهى فى اضطراب وشك وبكاء،
تردد قولها السابق الذى قالته للرسولين بطرس ويوحنا.
فقالت نفس العبارة للملاكين الجالسين داخل القبر
" أخذوا سيدى ولست أعلم أين وضعوه" (يو 20: 13).
ثم وصل بها الحال أن قالتها للسيد المسيح نفسه عند ظهوره لها للمرة الثانية
"يا سيد إن كنت أنت قد حملته فقل لى أين وضعته وأنا آخذه" (يو20: 15).
وكانت قد ظنت أنه البستانى ولم تعلم أنه يسوع (أنظريو20: 15،14).
وحينما ناداها السيد المسيح باسمها قائلاً "يامريم" (يو20 : 16)،
كان يريد أن يعاتبها على كل هذه البلبلة والشكوك التى أثارتها حول قيامته،
وعلى ما هى فيه من شك فى هذه القيامة المجيدة،
ثم رغبتها فى الإمساك به لئلا يفلت منها مرة أخرى بعد أن أمسكت
سابقاً قدميه وسجدت له فى ظهوره الأول لها مع العذراء مريم ( أنظر مت28: 9).
فى هذه المرة قال لها مؤنباً
"لا تلمسينى لأنى لم أصعد بعد إلى أبى" (يو20: 17).
كان هذا تأنيباً شديداً لها لأنها شكّت فى قيامته،
وتريد أن تمسكه لئلا يختفى مرة أخرى...
إنها بشكها فى قيامته تكون فى شك من قدرته الإلهية فى أن يقوم من الأموات.
وكأنه ليس هو رب الحياة المساوى لأبيه السماوى فى القدرة والعظمة والسلطان.
وبهذا يكون لم يرتفع فى نظرها إلى مستوى الآب...
كما إنها تريد أن تمنع اختفائه من أمام عينيها لكى لا تشك فى القيامة...
وبهذا تكون كمن يريد أن يمنع صعوده إلى السماء...
وماذا يكون حالها بعد صعوده فعلاً ليجلس عن يمين الآب.
لهذا أمرها بصريح العبارة "اذهبى إلى إخوتى وقولى لهم إنى
أصعد إلى أبى وأبيكم وإلهى وإلهكم" (يو20: 17).
فى قو له هذا كان يقصد أن يقول لتلاميذه أن إلهكم
(أى الآب) قد صار إلهاً لى حينما أخليت نفسى
متجسداً وصائراً فى صورة عبد،
وسوف يصير أبى السماوى (الذى هو أبى بالطبيعة)،
أباً لكم (بالتبنى) حينما أصعد إلى السماء،
وأرسل الروح القدس الذي يلِدكم من الله فى المعمودية.
فبنزولى أخذت الذى لكم، وبصعودى تأخذون الذى لى.
فى هذه المرة فهمت مريم المجدلية أنها ينبغى أن تقبل فكرة
صعود السيد المسيح الذى لم يكن قد صعد بعد
بالرغم من اختفائه عن عينيها بعد قيامته،
كما أنه بقى على الأرض أربعين يوماً كاملين بعد القيامة لحين
صعوده إلى السماء أمام أعين تلاميذه وقديسيه.
لهذا "جاءت مريم المجدلية، وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب،
وأنه قال لها هذا" (يو20: 18).
وكما عالج السيد المسيح شك توما فى يوم الأحد التالى لأحد القيامة،
هكذا عالج شكوك المجدلية بظهوره لها مرة أخرى فى أحد القيامة، فى البستان...
كانت السيدة العذراء مريم عجيبة ومتفوقة فى إيمانها-
فقد آمنت قبل أن ترى السيد المسيح قائماً من الأموات،
وآمنت حينما أبصرته، وآمنت حينما أمسكت بقدميه وسجدت له...
وقبلت صعوده فى تسليم كامل، لأنها كانت تعرف أنه ينبغى
أن يجلس عن يمين أبيه السماوى،
ولا يكون لملكه نهاية، حسبما بشرها الملاك
قبل حلول الكلمة فى أحشائها متجسداً...
لهذا حقاً قالت لها اليصابات بالروح القدس
"طوبى للتى آمنت أن يتم ما قيل
لها من قبل الرب" (لو1: 45).