في الحقيقة أننا لن نستطيع ان نُبصر الله ونعاين نوره العظيم إن لم تُزال عن أعيُننا الغشاوة أولاً برفع البرقع الحاجز للنور؟ كما أنه لا يُمكننا أن نلتقي مع الله لقاء حقيقي إذا لم نفتح قلبنا لاستقباله!
لأن بدون نقاوة القلب وطهارة الضمير من المستحيل على أحد أن يُعاينه إطلاقاً، لأن في البدء كان آدم يرى الله عياناً بسبب بساطة طبيعته وقلبه الطاهر النقي، ولكن بدأ الهروب من الحضرة الإلهية حينما أخطأ فأحاطت الظلمة به وفقد بساطته الأولى ولم يعد قلبه طاهراً نقياً.
نعم فلقد حاول الإنسان عَبر التاريخ الإنساني كله، أن يعود إلى نفسه ويُنقي قلبه ويغسل ضميره المتعب، لكي تعود له الصورة الأولى من البراءة والحُرية التي كانت متجذرة في طبيعته حسب الخلق، ولكنه ازداد ضلالاً وصار من تيه لتيه متغرباً عن الله، ومن ضعف لموت، إذ أنه حينما عاد إلى نفسه، عاد بمعزل عن خالقه، وحاول أن يُصلح نفسه بنفسه بكثرة من الأعمال الحسنة لكي يُرضي الله الذي وضع معرفته في فكره حسب ما توصل إليه من معلومات وأفكار جمعها من هنا وهناك، فصار إلى ضلالٍ أشد وابتعد جداً عن الحضرة الإلهية، لأن ما يجمعه الإنسان عن الله ويضع لهُ صورة معينه في عقله لكي يصل إليها، فهي تُعتبر الوثنية عينها، لأنه حاول أن يصل للإله المُصنع في فكره الشخصي، أي إله المعلومات القانع بها عقله والمرتاح لها قلبه، وليس الله الحي الذي يُعلن عن ذاته شخصاً حياً وروحاً مُحيياً؛ لذلك حاول الإنسان جاهداً أن يعود لله "بعمل" شخصي من عنده هوَّ، يقوم به من خلال معرفة جمعها ووضعها في فكره، ولكنه لم ينجح وفشل تماماً، إذ أن كل أعماله وتقواه وجهاده وكل معرفته الكاملة والصالحة لا تقدر أن ترفعه لمستوى الحضرة الإلهية الفائقة ليبصر ويشاهد ويعاين نور المجد الإلهي الفائق، فكان من المستحيل الوصول لله الحي، لأن الله لا يُستحضر ولا يُجمَّع معلومات عنه، ولا يُحصر في كُتب ولا مراجع ولا أصول دراسة لغوية على وجه الإطلاق، بل وأيضاً لا يستطيع أحد – في المُطلق – أن يخترق المجال الإلهي ويرتفع للسماوات بأي حال ومهما ما وصل من معرفة وقدرة مُذهلة وإدراك عميق للحق.
لذلك حاول الإنسان جاهداً أن يعود لله "بعمل" شخصي من عنده هوَّ، يقوم به من خلال معرفة جمعها ووضعها في فكره، ولكنه لم ينجح وفشل تماماً، إذ أن كل أعماله وتقواه وجهاده وكل معرفته الكاملة والصالحة لا تقدر أن ترفعه لمستوى الحضرة الإلهية الفائقة ليبصر ويشاهد ويعاين نور المجد الإلهي الفائق، فكان من المستحيل الوصول لله الحي، لأن الله لا يُستحضر ولا يُجمَّع معلومات عنه، ولا يُحصر في كُتب ولا مراجع ولا أصول دراسة لغوية على وجه الإطلاق، بل وأيضاً لا يستطيع أحد – في المُطلق – أن يخترق المجال الإلهي ويرتفع للسماوات بأي حال ومهما ما وصل من معرفة وقدرة مُذهلة وإدراك عميق للحق.
ولكن الحل الوحيد الحقيقي أن اللوغوس الرب الحي من السماء أتانا من فوق مُتجسداً: والكلمة صار جسداً وحل فينا (حسب النص اليوناني) (يوحنا 1: 14)، فلقد عَبَرَ المسيح كلمة الله المتجسد الفجوة الهائلة التي أُنشأت بين الإنسان وإلهة مصدر حياته ووجوده، أي انه عَبر الفرقة والعُزلة التي بين الإنسان ونفسه، وبين الإنسان والله، فقد وَحَدَّ الكل في نفسه مع الله، لذلك فمنذ التجسد الإلهي لم يعُد الإنسان يُعرف بمعزل عن الله، ولا الله بمعزل عن الإنسان، لأن الكلمة اتخذ جسداً، أي انه اتحد بجسد إنسانيتنا اتحاداً حقيقياً لا يقبل الشك، بل اتحاداً لا انفصال فيه (لحظة واحدة ولا طرفة عين) أي اتحاداً أبدياً غير متغير، إذ أنه مجده بالقيامة وصعد به وجلس به عن يمين العظمة في الأعالي.
لأن ما معنى أن الكلمة صار جسداً وحل فينا ورأينا مجده، أن لم ندخل في هذا السرّ العظيم الذي للتقوى (عظيم هو سرّ التقوى الله ظهر في الجسد – 1تيموثاوس 3: 16)، فنحن لا نتذوق سرّ التقوى الحقيقي إلا من خلال تجسد الكلمة فقط، وتجسد الكلمة بالنسبة لنا = الاتحاد بالله وحياة الشركة، لأن الرب نفسه طلب لأجلنا وأعلنها بوضوح قائلاً: ليكون الجميع واحداً كما انك أنت أيها الآب في وأنا فيك، ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا ليؤمن العالم انك أرسلتني؛ وعرفتهم اسمك وسأُعرفهم ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به، وأكون أنا فيهم (يوحنا 17: 21، 26)، فهذه هي مشيئته وتدبيره الخاص أنه يكون فينا ونحن فيه، لأن هذا هو سر التدبير كله وغاية التجسد.
ومعموديتنا هي بالطبع قبولنا مسحة يسوع التي تجعلنا منتسبين إليه لكي يقودنا الروح القدس إلى البرية، وإلى الجلجثة مع شخصه القدوس، بل وإلى القبر لنموت معه عن إنسانيتنا القديمة عملياً، وندخل في سرّ قيامته، وهي قيامة النفس التي هي القيامة الأولى، وننتظر بسهر على حياتنا خاضعين للنعمة مستعدين للقيامة الثانية والأخيرة، قيامة الجسد وتمجيده وإعلان فداءه.
أعرف أيها الإنسان سموك وكرامتك وشرفك عند الله، لكونك أخاً للمسيح (من جهة أنه اتخذ بشريتنا مقراً لهُ متحداً بها اتحاد لا يقبل الافتراق ولا للُحيظة واحدة قط)، وصديقاً للملك، وعروساً للعريس السماوي، لأن كل من استطاع أن يعرف كرامة نفسه، فأنه يستطيع أن يعرف قوة وأسرار اللاهوت، وبذلك ينسحق ويتضع أكثر (عظة 27: 1)