(3) الطبيعة الجوهرية للكرازة:
تعلن لنا الأناجيل أن يسوع المسيح جاء لينادي بملكوت الله، ويقول الرب نفسه (لو 4 :16-21) إن مجيئه كان إتمامًا لنبوة اشعياء عن مجئ المسيا الذي به يتحقق ملكوت الله، الذي يعني “سيادة الله كملك”، فسيادة الله الأبدية كانت تغزو مملكة قوى الشر، وتحرز النصرة الفاصلة
وكان هذا هو الفحوى الاساسية لكرازة الرب يسوع·
وعندما ننتقل من الأناجيل الثلاثة الأولى، إلى سائر أسفار العهد الجديد، نلاحظ تغييرًا هامًا في التعبير، فعوضًا عن ملكوت الله نجد المسيح هو موضوع الرسالة، فأصبحت الكرازة هي المناداة "بِالْمَسِيحِ مَصْلُوبًا" (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 1: 23)، و"الْمَسِيحُ يُكْرَزُ بِهِ أَنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ" (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 15: 12) و"ابْنَ اللهِ يَسُوعَ الْمَسِيحَ، الَّذِي كُرِزَ بِهِ بَيْنَكُمْ" (رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 1: 19)، و"نَكْرِزُ.. بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبًّا" (رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 4: 5)، و"إذ كان العالم في حكمة الله، لم يعرف الله بالحكمة استحسن الله أن يُخلّص المؤمنين بجهالة الكرازة" (1كو 1 :21). وتغيير مركز الثقل في الكرازة، جاء نتيجة تلك الحقيقة الواضحة، وهي أن “المسيح هو الملك لقد انتظر اليهود إقامة ملكوت عالمي شامل يحكمه الله، ولكن كان موت المسيح وقيامته، النقطة الفاصلة في التاريخ البشري، وبإتمام الفداء بموت ابن الله وقيامته، استطاعت الكنيسة أن تكرز - بعبارات صريحة قاطعة - بالمسيح ربًا ومخلصًا، فهو الملك الحقيقي. لقد كانت رسالة الكنيسة هي الكرازة بموت الرب وقيامته وصعوده وجلوسه عن يمين العظمة في الأعالي.