كيف تكون ماهرًا في وضع "الحدود" مع الآخرين؟
إقامة الحدود مع الآخرين هي بمثابة صمام أمان لحماية الشخص خصوصياته،
فالحدود التي يتم وضعها في العلاقات تمكن الشخص من حماية نفسه من التلاعب من قبل أي طرف آخر كحاجز منيع، وتنبع هذه الحدود من الإحساس بأهميتها،
فالكثير من الناس يقعون في فخ إقامة علاقات مع الآخرين سواء شخصية أو جماعية، مما يدفع البعض لاختراق حدود غيره، وهنا تكمن مهارة إقامة حدود مع الآخرين لحماية الخصوصية.
"أريح للراس"
لينا مراد ترى أن وضع حدود مع الآخرين ليس بالمهمة السهلة، فهي تتطلب قوة شخصية وحزما لمواجهة الآخرين وجرأة لحفظ الخصوصية، وصعوبتها تتمثل مع الأقارب بصورة أكبر.
وقالت: "اضطررت لوضع حدود مع حماتي بعد تدخلاتها الزائدة عن حدها في تربية أبنائي، وخاصة بعدما انتقلت للسكن في بيت مستقل عنها، فاضطررت إلى فرض الحدود قبل أن أجد نفسي في مأزق وأقع في مشاكل أسرية وعائلية، قد تسبب في اختلاق مشاكل أكبر".
ونوهت مراد إلى أنها تتصرف عند زيارتها لبيت العائلة كأنها ضيفة، حتى لا تختلط في أي موقف، أو تتدخل في شيء لا يعنيها، وذلك من مبدأ "أريح لراسي"، وفق رأيها.
وأشارت إلى أن وضع تلك الحدود ليس بالهيّن، بسبب حساسية العلاقة بينهما، ولكن فيما بعد سيتم تفهم العلاقة بعد أن تكون الحدود واضحة فيما بينهم، مبينة أن الغاية الوحيدة من تأطير العلاقة تجنب المشاكل مستقبلا، خاصة أن الكثير من الأقارب يعتقدون أنه يمكنهم التدخل في خصوصيات الآخرين بحكم صلة القرابة.
تحت مسمى "الصداقة"
وأوضحت علياء محسن (29 عامًا) أن هناك حدودا تختفي بسبب طبيعة العلاقة وقوتها، وخاصة التي تجمع صديقات مقربات منذ فترة طويلة،
قائلة: "وبالرغم من ذلك فهذا لا يعني عدم وضعها، فمهما كانت العلاقة قوية ومتينة إلا أنه يجب أن يكون لكل شخص حدود يقف عندها".
وأضافت: "التجربة التي مررت بها مع صديقتي علمتني الكثير بسبب المشاكل التي سببتها في نقلها وإخبارها لأسرارها البيتية لصديقاتها وأقاربها.
وفي موقف آخر في العمل، سرد علي صالح (32 عامًا) الموقف الذي شكّل صدمة لزملائه، عندما تحدث معهم بطريقة رسمية رغم مرور عدة سنوات على عملهم في نفس المكان، وذلك بسبب تدخل البعض في خصوصياته وأموره العائلية وكأنهم ولاة أمره.
وقال: "بالرغم من سنوات العلاقة مع زملائي إلا أنه لا يحق لأي أحد منهم التدخل فيما لا يعنيه"، كما أنه قام اضطراريًا بحظر عدة أشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بسبب تدخلهم في كل أمور حياته، وبحثهم في أدق تفاصيلها، كونهم يندرجون تحت قائمة الأصدقاء.
أسباب المشكلة
أن مشكلة تدخل الآخرين في شؤون الغير، هي مشكلة أخلاقية وحضارية، ومتوارثة عند البعض، وكثير من الناس يقاومها، ويشعر بالضيق منها ولا يسمح لأحد بممارستها فيما يخصه.
وأوضح أن البعض الآخر يتماشى خجلاً، لكن هناك بعض من ينزعج من هذا التدخل دون أن يحرك ساكنا لحماية مملكته، ليحصد هو فقط آثار هذا التدخل اللامحدود.
السبب في ذلك شخصيته القائمة على عدم الثقة بالنفس،
والشعور بالتشتت والاضطراب وعدم القدرة على اتخاذ القرار السليم،
أو الخوف من الفشل ليجد نفسه يتحدث للآخرين عن حاجاته ومتطلباته،
فهو يعيش في صراع وجداني وعقلي مع نفسه، سببه ضعف ذلك الوقار الذاتي، وغياب القدسية التي يشكلها لنفسه.
أن التنشئة التي يتلقاها لها دور في ذلك، بالإضافة إلى الخبرات السلبية التي تزود بها نتيجة ظروف مجتمع معين اختلط به،
أو غياب العصامية والقوة والحكمة وأصحاب الخبرة عنه في مقتبل حياته،
أو تعوده على بعض الصفات السلبية المكتسبة كالثرثرة وإفشاء الخصوصيات أو حب الاستعراض والتباهي وغير ذلك.
أن ذلك يجعل البعض يسمح للآخرين بتجاوز المساحة الخاصة في التدخل، لذلك فالأساس في العلاقات أن تكون قائمة على عدم التدخل فيما لا يعني الآخرين، وأن ينأى بنفسه عن معرفه أي شيء يخص الآخرين،
ولابد من ضرورة استخدام الحزم مع البعض وقطع الطريق أمامهم من التدخل، وإشعارهم بعدم السماح بالتدخل، فالحدود المرسومة في العلاقات تشعر الشخص بالثقة والانتماء.