من الواضح أنه كان هناك نساء ضمن أتباع يسوع.
ومن الواضح أيضا أن يسوع لم يعامل النساء حسب التقاليد اليهودية التي اعتبرت النساء مواطنات من الدرجة الثانية،
لهن بعض حقوق الرجال، بل عاملهن بإكرام وعزّة ونبل كالأشراف. فبعد ان رأينا السيِّد المسيح يفتح قلبه للجميع ليضم إلى صداقته الغرباء والخطاة،
نراه الان برفقة نساء كثيرات كن يخدمْنَه ويتجولن معه، فهو لم يقبل المرأة الخاطئة ويمتدحها أمام الفرِّيسي فقط، أو يكتفي بشفاءهن ومراعاة حالتهن النفسية والروحية فحسب، ولكنه اهتم بمواهب المرأة وقدّر إمكانيَّاتها كعضو حيّ في جسده المقدَّس.
دون اي تمييز بين جنسهن وجنس الرجال.
اما قصة مريم المجدلية فهكذا اوردها في انجيله
"بعد ذلك أخذ يجول في كل مدينة وقرية واعظا ومبشرا بملكوت الله وكان يرافقه تلاميذه الاثنا عشر، وبعض النساء اللواتي كن قد شفين من أرواح شريرة وأمراض، وهن: مريم المعروفة بالمجدلية التي طرد منها سبعة شياطين"
(لو2,1:8)...
كانت مريم المجدلية من أوائل من اتبعوا يسوع، وعلى الاغلب سميت بالمجدلية نسبة الى محل اقامتها مجدل،
وكامرأة نشيطة فيها اندفاع وحماسة ورعاية،
فإنها لم تتنقّل فقط مع يسوع بل أسهمت ايضا في سد احتياجات الجماعة.
وتعد مريم المجدلية مثالا للقلب الملتهب بالحب والشكر، فانها اذ استراحت من مملكة ابليس الذي اقام في داخلها سبعة شياطين،
بعد ان حرر الرب يسوع حياتها وانقذها بصورة اعجازية من تلك الارواح الشريرة،
نراها في كل لمحة تعبّر عن تقديرها لتلك الحرية التي وهبها لها يسوع، والتي اتاحت لها.
اولا: الحضور وقت الصلب، فقد كانت محبتها قوية كالموت، دفعتها للوقوف بجوار السيد المسيح حتى موته على الصليب، حينما اختبأ جميع التلاميذ، ماعدا يوحنا،
فقد ظلت قريبة من ربها راكعة قرب صليبه خلال تلك الساعات الطويلة المرهقة والمفجعة في الجلجثة.
ثانيا: وبالرغم من ان المحنة كانت شاقة ومنهكة، فبعد موته كانت تنوي ان تقدم كل اكرام لجسده. فهي،
كمثل كل أتباع يسوع والمؤمنين به آنذاك، لم تتوقع ابدا قيامته الجسدية،
فقد نهضت باكراً في اول يوم من الاسبوع وذهبت مسرعة الى قبره والظلام ما يزال حالكا، حتى ان الانجيلي يوحنا اكتفى بذكر مريم المجدلية ولم يشر إلى النسوة اللواتي ذهبن معها
(يو1:20)،
ربما لأنها كانت متحمسة جدًا لزيارة القبر، لتبكيه بمرارة، وتسكب طيبًا وحنوطًا على جسمه. فقد تمتعت بمحبة الرب، حيث التصقت به في حياته وخَدَمَتهُ من مالها واستمعت إلى عظاته. جاءت إلى القبر دون أية اعتبارات لما تواجهه من مصاعب، فحبها للسيد المسيح نزع عنها كل خوفٍ من الموت أو من القبر،
جاءت والظلام باقٍ حيث أمكن لنور شمس البرّ أن يشرق في داخلها، وينير لها طريق القبر الفارغ. كان الظلام لا يزال باقيًا، لكن الحب أضاء لها الطريق.
ثالثا: بعد ان جاءت ووجدت الحجر مرفوعًا والقبر فارغًا لم تُدرك في الحال أنه قام، بل ظنّت أن الجسد قد أُخذ من القبر،
وإذ كانت مملوءة حبًا نحو سيدها، ركضت سريعًا إلى سمعان بطرس ويوحنا (يو2:29)،
جاءت إليهما تطلب البحث عن جسد المسيح، فإنها لم تنحصر في الحزن على موته، إنما تطلب أن ترى جسده حتى بعد موته لتقدم علامات حبها بتطييبه.
رابعا: في الوقت الذي عاد فيه التلميذان الى البيت بعد ان تاكدا من ان القبر فارغ
(يو10,3:20)،
ظلت مريم المجدلية واقفة في الخارج عند القبر تبكي، وكانت لا تزال تبحث عن الغائب عنها،
فلم تكن حالتها النفسية قد تغيرت ولم يكن ممكنًا لها أن تفارق القبر حتى ترى جسد السيد المسيح. وحتى بعد ان استجاب الرب لحبها ودموعها، بفتح عينيها لترى ملاكين يشهدان للقيامة، الا ان ذلك لم يُشبِع قلب المجدلية، لانها كانت تطلب الرب نفسه،
وقبل أن يجيب أحد الملاكين عليها جاءت الإجابة عمليًا من السيد المسيح نفسه الذي وقف وراءها ليتحدث معها ويجيب على سؤالها
(يو18,11:20).
كانت شهوة قلب المجدلية أن ترى جسد المسيح الميت، لكنه وهبها ما هو أعظم، إذ ظهر لها "القائم من الأموات".
إنه يعطينا أكثر مما نسأل وفوق ما نطلب.