ولبحث هذه القضية الملتبسة، علينا أن نبحث أولا في تاريخية وجود المجدلية وعلاقتها بالمسيح، ومدى المعلومات التي نعرفها عنها، والحقيقة أن معظم الدراسين يؤكدون وجود عدد كبير من الأناجيل كتبها أتباع أو حواريون المسيح، ورغم وجود هذا العدد الكبير من النصوص، ذات الأهمية التاريخية والقداسة، فان الكنيسة اعتمدت أربعة فقط من هذه الأناجيل كتبها متى ومرقص ولوقا ويوحنا تمثل فيها بينها ما اصطلح على تسميته " العهد الجديد "، والأعجب أن الإنجيل كما نعرفه اليوم تم جمعه على يد الإمبراطور الروماني الوثني قسطنطين العظيم الذي اعتنق المسيحية وهو على فراش الموت، ومنحها الاعتراف الرسمي في الإمبراطورية الرومانية، وفي الأيام الأولى لتشكيل المسيحية في صورتها الرسمية تم اقتراح فكرة المسيح ابن الرب والتصويت عليها بين أعضاء المجلس النيقاوي لتسود فكرة ألوهية المسيح وان أتباعه لا يمكنهم التحرر من خطاياهم إلا عبر طريق وحيد يمر بالكنيسة الكاثوليكية الرومانية.
في العهد الجديد أو الإنجيل الرسمي المعتمد لا توجد معلومات كثيرة عن المجدلية، ولكن في كل الأحوال ذكرت بالاسم 12 مرة، وكانت بين قلة قليلة من أتباع المسيح الذين شهدوا عملية صلبه، كما أنها الشخص الأول الذي ذهب إلى القبر الذي دفن فيه المسيح بعد صلبه، وشهدت قيامته من الموت، وكانت أول شخص تقع عليه عين المسيح بعد القيامة. وهذه المعلومات الرسمية المعتمدة من الكنيسة تظهر الدور المهم الذي لعبته هذه السيدة في المرحلة المبكرة للدعوة، وظهور الدين بغض النظر عن موضوع اقترابها الحميم من المسيح والذي يحيطه الجدل.
أما الصورة الأخرى للمجدلية التي يعرفها العالم، وأنها كانت العاهر التي أنقذها المسيح من الموت لتتوب على يديه وتتبعه حتى النهاية، فهي صورة متأخرة نسبيا، يعود السبب الرئيس فيها للبابا جريجورى في القرن السادس الميلادي، حيث قام
بالخلط بين ثلاث نساء مختلفات ذكرن في الأناجيل وحملن اسم مريم، ليؤكد أنهن جميعا شخص واحد، هو مريم المجدلية، ويقول الخبراء أن رواية جريجورى سادت عمدا بهدف تحطيم سمعة المجدلية ووصمها بعار الدعارة لقطع الطريق على أي حديث عن دور هذه السيدة في قيام المسيحية الأولى.
ما فعله البابا جريجورى من وصم المجدلية بالعهر لتلاحقها هذه التهم لمدة زادت على 14 قرنا تالية، كان هو الخطوة الأولى الحاسمة لإنكار أي حديث عن زواج المسيح منها، وبالتالي إنكار وجود ذرية مقدسة من نسلها، وبالطبع فإذا كان هذا الزواج حقيقة فمن الوارد جدا أن يكون قد أثمر عن أبناء.
المدهش أن الكنيسة الكاثوليكية نفسها، وبعد هذه الفترة الطويلة من الاتهامات للمجدلية، أصدرت قراراً في عام 1996 أبطلت فيه تعريف البابا جريجورى للمجدلية كعاهرة، ولكن هذا التصويب المتأخر جدا لم يفلح على الإطلاق في التأثير على الصورة التي انطبعت في أذهان رواد الكنيسة من أن المجدلية هي نفسها العاهرة التائبة المذكورة في الأناجيل.
العلاقة الحميمة والغامضة بين المجدلية والمسيح، لم تطرح على مائدة البحث او تعود إلى الأضواء إلا منذ سنوات قليلة نسبيا، والسبب الرئيسي لهذا التغير، هوظهور مجموعات جديدة من النصوص الرسمية المعتمدة منذ قرون، فعندما وضع قسطنطين أسس المسيحية الرومانية، واعتمدت الأناجيل الأربعة الرسمية تم إهمال وإحراق باقي الكتب والأناجيل المتداولة، ولكن بعض هذه الأعمال افلت من المصير المحتوم، ليظهر في النصف الأخير من القرن العشرين ويعيد فتح كل الملفات المغلقة.