
بالخلط بين ثلاث نساء مختلفات ذكرن في الأناجيل وحملن اسم مريم، ليؤكد أنهن جميعا شخص واحد، هو مريم المجدلية، ويقول الخبراء أن رواية جريجورى سادت عمدا بهدف تحطيم سمعة المجدلية ووصمها بعار الدعارة لقطع الطريق على أي حديث عن دور هذه السيدة في قيام المسيحية الأولى.
ما فعله البابا جريجورى من وصم المجدلية بالعهر لتلاحقها هذه التهم لمدة زادت على 14 قرنا تالية، كان هو الخطوة الأولى الحاسمة لإنكار أي حديث عن زواج المسيح منها، وبالتالي إنكار وجود ذرية مقدسة من نسلها، وبالطبع فإذا كان هذا الزواج حقيقة فمن الوارد جدا أن يكون قد أثمر عن أبناء.
المدهش أن الكنيسة الكاثوليكية نفسها، وبعد هذه الفترة الطويلة من الاتهامات للمجدلية، أصدرت قراراً في عام 1996 أبطلت فيه تعريف البابا جريجورى للمجدلية كعاهرة، ولكن هذا التصويب المتأخر جدا لم يفلح على الإطلاق في التأثير على الصورة التي انطبعت في أذهان رواد الكنيسة من أن المجدلية هي نفسها العاهرة التائبة المذكورة في الأناجيل.
العلاقة الحميمة والغامضة بين المجدلية والمسيح، لم تطرح على مائدة البحث او تعود إلى الأضواء إلا منذ سنوات قليلة نسبيا، والسبب الرئيسي لهذا التغير، هوظهور مجموعات جديدة من النصوص الرسمية المعتمدة منذ قرون، فعندما وضع قسطنطين أسس المسيحية الرومانية، واعتمدت الأناجيل الأربعة الرسمية تم إهمال وإحراق باقي الكتب والأناجيل المتداولة، ولكن بعض هذه الأعمال افلت من المصير المحتوم، ليظهر في النصف الأخير من القرن العشرين ويعيد فتح كل الملفات المغلقة.

في عام 1945 عثر محمد على السمان، وهو فلاح مصري من قرية حمرة دوم التابعة لنجع حمادي بمحافظة قنا، على كنز أثري لم يتمكن من تقدير قيمته بطبيعة الحال، ولكن هذا الكشف أحدث زلزالا بين الباحثين والخبراء، حيث وجد الرجل المصري اثنتين وخمسين وثيقة قديمة، مكتوبة بالقبطية والآرامية، في حقله، كانت عبارة عن مجموعات من الأناجيل القديمة التي لم تعتمدها الكنيسة الكاثوليكية على الإطلاق، وأطلق الخبراء عليها اسم الأناجيل الغنوصية " Gnostic Gospels "، نسبة إلى مجموعه مسيحية قديمة، كانت تنكر الطبيعة الإلهية للمسيح، وترى أن الوصول إلى معرفة الروح الإلهية الحقة أن يكون بمعرفة الإنسان لنفسه، وهو الأمر الذي يهدم فكر الكنيسة الكاثوليكية من الأساس، باعتبارها الطريق الوحيد لوصول الإنسان إلى الله.
عبر هذه الأناجيل المجهولة، أمكن للمرة الأولى، منذ قرون بعيده، الاستماع إلى أصوات لم تكن مسموعة من قبل، وهى أصوات توماس وفيليب ومريم المجدلية، التي قدمت في الأناجيل المنسوبة لها صوره مختلفة للسيد المسيح وعلاقته بأتباعه وحورايه، وعلى رأسهم المجدلية نفسها. احد هذه الأناجيل - التي ترفضها الكنيسة - وهو انجيل فيليب تحدث أكثر من غيره عن علاقة المسيح بالمجدلية، ويقول فيه بالنص: " ورفيقة المخلص هي مريم المجدلية أحبها أكثر من كل التلميذين واعتاد أن يقبلها من فمها. وقد أثار هذا الأمر ضيق باقي التلميذين وعبروا عن استيائهم وقالوا له: لماذا تحبها أكثر منا؟ ". بالطبع يكتسب هذا النص بالتحديد معنى واضح وأهمية استثنائية، عندما نعلم أن كلمة رفيقة باللغة الآرامية تعنى حرفيا الزوجة، أما الإنجيل المنسوب للمجدلية نفسها، والذي كان