أم يمكن أن تكون هناك الصورة الأخرى التي رسمتها بركة بيت حسدا، في تزاحم الناس وتسابقهم إلى الشفاء، وكيف يمكن أن يدوس بعضهم بعضًا في حلبة هذا السباق: «بل بينما آت ينزل قدامي آخر»..!؟ عندما يركض الراكضون، ويتسابق المتسابقون مهما بذلوا من الجهد، فإن الكثيرين سيخرجون من الجهاد، وقد قالوا الكلمة المؤسفة التي قالها مريض بيت حسدا!! لقد سبقني آخر!؟ يستعد الشاب للوظيفة التي يحلم بها ويجهز كافة مؤهلاته وأوراقه لها، وفي اللحظة الأخيرة يعود محطم القوى زائغ البصر، وعندما يسأل لماذا هو هكذا؟ يقول : لقد سبقني آخر! يخترع المخترع اختراعه الذي يجند له كل ما عنده من جهد ومال، وقبل أن يعلن عن هذا الاختراع أو يظهره للناس، يأخذه الرعب أو الضيق، وعندما تسأل عن السبب يقول: «لقد سبقني آخر» يذهب الشاب المحب مدفوعًا بالأمل وقد عقد رجاءه على خطبة فتاة، هي غاية أحلامه ومناه، ثم يرجع ممتلئًا بالأسى والأحزان، يكاد يبكي وينتحب، وعندما يسأل لماذا يفعل هكذا... يأتي الجواب: «لقد سبقني آخر» كانت الصورة المروعة التي أبصرها الكابتن سكوت ودونها في مذكراته عن رحلاته إلى القطب الجنوبي، وأفزعته أيما فزع، أن أبصر من على بعد في التيه البعيد علمًا فذهب ليرى هناك علماً أسود لمجموعة قد سبقته، وهلكت في التية العظيم، وكان العلم الأسود صورة لضياع إنسان قد سبقه إلى المكان وما أكثر ما يرفع الرافعون هذا العلم عند الفشل والحاجة والضياع والهلاك، وهم يشبهون المريض القديم في بيت حسدا وقد ذهبت أمالهم على كر السنين، وفوق سريرهم ومضطجعهم العلم الأسود: «لقد سبقني آخر»..