ثالثاً : حبٌ عامل
تقول عروس النشيد :
" وجدني الحرس الطائف في المدينة فقلت أرأيتم من تحبه نفسي فما جاوزتهم إلا قليلاً حتى وجدت من تحبه نفسي فأمسكته ولم أُرخه حتى أدخلته بيت أمي وحجرة من حَبُلَت بي.."
وما الحرس الطائف إلا المرشدين الروحيين الذين يرشدون الإنسان إلى المسيح ..
لكن ما أخطر أن يقف الإنسان عند مرحلة التعلق بالمرشد الروحى ولا يصل إلى المسيح ..
فالعروس تقول : ما جاوزتهم إلا قليلاً .. فلقد تجاوزت مرحلة العيان لتتعامل مع الحبيب الغالى على مستوى الإيمان .. فالمرشد الروحى هو صوت صارخ فى البرية .. أعدوا طريق الرب .. وهو بذلك يوصلك إلى المسيح ..
وما أجمل هذه العبارة التى تكررت 5 مرات فى سفر النشيد ..
وهى عبارة " من تحبه نفسى .. " وإذ ترى النفس البشرية حبيبها الغالى الذى أسلم نفسه لأجلها ، فعلى الفور تمسكه بيدها ولا ترخه ..
لقد ذهبت مريم المجدلية تبحث عن جسد المسيح لتضع الحنوط عليه لتطيبه .. فلاقاها هو بنفسه ..
وظنت أنه البستانى لكنه نادها بإسمها قائلاً : يا مريم .. فعلى الفور عرفته مريم وقالت له يا معلم .. لذا فالنفس التى تبحث عن المحبوب لا بد أن يأتى ويُظهر لها ذاته بل يدخل إليها ويتعشى معها وهى معه ..
إنها المحبة التى تغيِّر القلب بل وتضئ الحياة .. فبعد الظلام يأتى النور ، وبعد الفتور تأتى الجدية والنشاط فى الحياة الروحية .. إنه الحب العامل المغيِّر الذى يحرر المقيدين ويفك الماسورين ويطلق ويخلص الذين فى الشدائد ..
لذا فالقديس الأنبا أنطونيوس حين وجد العريس السماوى ، وجده لؤلؤة واحدة كثيرة الثمن ، فعلى الفور قرر أن يمسك به ولا يرخيه ، بل وقرر أن لا يشغله شئ أو شخص عن التمتع بالمحبوب ..
فترك الكل وانحل من الكل ليتحد بالواحد الكثير الثمن .. وهكذا سار على نفس الدرب كل آبائنا القديسين .. سواء كانوا رهباناً أو علمانيين .. بتوليين أو متزوجين ..
أخيراً ..
أدركت العروس أنه لا مكان يمكن أن تتمتع بالحبيب ولا يفصلها أحد عنه .. فقررت إلا أن تدخل به إلى بيت أمها , وحجرة من حبلت بها .. ومن هى هذه الأم إلا الكنيسة المقدسة التى حبلت بنا ونحن اطفال فى المعمودية ..
فصار الله أباً لنا وصارت الكنيسة أما حنوناً نفرح بالقائلين لنا إلى بيت الرب نذهب ..
فالكنيسة هى عمود الحق وقاعدته (1تي 3 : 15)
ففى الكنيسة تتجدد النفس بفعل أسرارها التى هى قنوات مقدسة تجرى من خلالها عمل نعمة المسيح إلى القلب .. فيخلص المؤمن ويدخل ويخرج ويجد مرعى ..
فتتمتع بالمسيح فى الكنيسة وتخرج إلى العالم لتخبرهم بجمال المحبوب فيأتون إليه ليتمتعوا معها به ..
أخى الحبيب ..
هل لك الأشواق المقدسة للعريس السماوى التى تذيب ثلوج الخطية من القلب ،
وتضئ ظلمات الضعف والكسل والتراخى فتأخذ حبيبك السماوى وتدخل به إلى الكنيسة لتأكل جسده وتشرب دمه .. وتبقى فى حضنه حتى يشأ فى خلوة حب مقدسة وترفض الفتور وتقوم من غفلة النوم وتقول له فى قطع صلاة النوم :
هوذا أنا عتيد أن أقف امام الديان العادل مرعوباً ومرتعداً من كثرة ذنوبى ، لأن العمر المنقضى فى الملاهى يستوجب الدينونة .. لكن توبى يا نفسى ما دمت فى الأرض ساكنة ، لأن التراب فى القبر لا يُسبح ، وليس فى الموت من يذكر ، ولا فى الجحيم من يشكر ..
بل إنهضى من رقاد الكسل وتضرعى إلى المخلص بالتوبة قائلة : اللهم ارحمنى وخلصنى ..