المغارة
اختيار ثيودوسيوس لهذا الموضع الجديد كان الدافع إليه الهرب من ممارسة السلطة على الآخرين والانصراف الكلّي إلى إتمام عمل الرهبنة. وقد ذُكر أن القديس ضبط جسده بحكمة ودراية. همّه، بكل عناية، كان أن يفعل ما يرضي الله ويحجم عما لا يرضيه. وقد أبدى في ذلك جرأة كبيرة لا يهاب عثرات الطريق في شيء. لم يكن ليلين أمام المخاطر أو يذعن للكلام الملق إذا كان ما هو معروض عليه من غير مشيئة الله. كان دائم النظر في أفكار قلبه، سالكاً بأمانة في حكمة ربّه، عالماً باحتيالات العدو الذي يشاء أن يدفع المجدّين إلى التطرّف والنسك الزائدين لإلقائهم في الكبرياء والغرور. اعتاد اليقظة بنعمة ربّه وكان دائم الصلاة. يذرف الدمع مدراراً. وقد علّق حبلاً في سقف المغارة وربط نفسه به حتى إذا ما أخذه النعاس شدّ عليه الحبل فأيقظه. على هذا كان يقف في الصلاة الليل بطوله وكان حازماً حيال نفسه في ما يمتّ بصلة إلى حركات البدن، لا يشبع من الطعام، يكتفي منه بما هو ضروري اجتناباً للوقوع في الوهن والمرض. نظامه الغذائي اقتصر على البلح والخرّوب والبقول والخضار المنقوعة.