روعة هذه الحقائق:
قبل أن اربط هذا برومية 12: 2
اسمحوا لي بأن أعلق على كم هي ثمينة هاتين الحقيقتين. فكلتاهما تنسجمان مع احتياج عميق لدينا جميعا عندما نُجرح بشدة أو نُعاني خسائر كبيرة. فمن ناحية، نحتاج التأكيد أنّ الله هو المتحكم وبالتالي فهو قادر أن يعمل من خلال كل ألمي وخسارتي معا لخيري ولخير كلّ من يحبونه. ومن ناحية أخرى، نحتاج أن نعرف أنّ الله يتعاطف معنا ولا يسر بالخطية أو الألم في حد ذاته. هاتين الحاجتين تتوافقان مع إرادة الله المحتومة، وإرادته الآمرة.
مثلاً، إن كنت قد تعرضت لسوء المعاملة عندما كنت طفلا، وسألك شخص ما
"هل تعتقد أن هذه كانت إرادة الله؟"
لديك الآن وسيلة لفهم كتابي لهذا الأمر، وتعطي جوابا لا يتعارض مع الكتاب المقدس.
يمكنك أن تقول: "لا لم تكن إرادة الله؛ لأنه يأمر البشر ألا يسيئوا معاملة بعضهم، بل أن يحبّوا بعضهم البعض. فالمعتدي قد كسر وصيّته وبالتالي جعل قلبه يغضب ويحزن (مرقس 3: 5).
ولكن، بمعنى آخر، نعم، كان ذلك إرادة الله (إرادته ذات السيادة)،
لأنه كان يُمكن أن يمنعها بمئة طريقة. ولكن لأسباب لا افهمها تماما بعد، لم يفعل ذلك.”
وما يتطابق مع هاتين الإرادتين هما شيئان تحتاج إليهما في هذه الحالة: أولا إله قوي وذات سيادة بما يكفي لتحويله للخير، والآخر إله قادر على التعاطف معك.
فمن ناحية، المسيح هو الملك صاحب السيادة العليا، ولا شيء يحدث بدون إرادته (متى 28: 18).
ومن ناحية أخرى، المسيح هو رئيس الكهنة الرّحوم الذي يتعاطف مع ضعفنا وألمنا (عبرانيين 4: 15).
يتغلب الروح القدس علينا وعلى خطايانا عندما يشاء (يوحنا 1: 13؛ رومية 9: 15-16)،
ويسمح لنفسه أن يُطفأ ويحزن عندما يشاء (أفسس 4: 30؛ 1 تسالونيكي 5: 19).
إرادته ذات السيادية لا تُقهر، وإرادته الآمرة يمكن كسرها على نحو محزن.
إننا نحتاج هاتين الحقيقتين - هذين المفهومين عن إرادة الله- ليس فقط لفهم الكتاب المقدس- ولكن للتمسك بالله في الألم.
أيه إرادة مشار إليها في رومية 12: 2؟
والآن، أيّ من هذه الحقائق مقصود في رومية 12: 2
"وَلاَ تُشَاكِلُوا هذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ."
الإجابة بالتأكيد هي أن بولس يشير إلى إرادة الله الآمرة. أقول هذا لسببين على الأقل. أولا لأن الله لا ينوي لنا أن نعرف الكثير من إرادته السّيادية مقدما.
"السَّرَائِرُ لِلرَّبِّ إِلهِنَا، وَالْمُعْلَنَاتُ لَنَا وَلِبَنِينَا إِلَى الأَبَدِ، لِنَعْمَلَ بِجَمِيعِ كَلِمَاتِ هذِهِ الشَّرِيعَةِ." (تثنية 29: 29).
إن كنت تريد أن تعرف تفاصيل المستقبل لإرادة الله المحتومة، فأنت لا تريد الذهن المجدد، بل ترغب في كرة بلورية. هذا لا يُسمى التغيير والطاعة، بل يُسمى العرافة والكهانة.
والسبب الآخر أني أقول إنّ إرادة الله في رومية 12: 2
هي إرادة الله الآمرة وليست إرادته المحتومة هو أن كلمة "لِتَخْتَبِرُوا" تعني أنه يجب علينا أن نقرّ بإرادة الله ثم نفعلها بطاعة.
ولكن في الواقع لا ينبغي لنا أن نوافق على الخطية أو نفعلها، حتى وإن كانت جزءاً من إرادة الله السّيادية. فالمعنى الذي قصده بولس في رومية 12: 2
تم إعادة صياغته تقريبا بالضبط في عبرانيين 5: 14،
التي تقول: "وَأَمَّا الطَّعَامُ الْقَوِيُّ فَلِلْبَالِغِينَ، الَّذِينَ بِسَبَبِ التَّمَرُّنِ قَدْ صَارَتْ لَهُمُ الْحَوَاسُّ مُدَرَّبَةً عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ."
(أنظر إلى إعادة صياغة أخرى في فيلبي 1: 9-11).
هذا هو الهدف من هذه الآية: ليس التحري عن إرادة الله السّرية الذي يعتزم القيام بها، لكن تمييز إرادة الله المعلنة والتي يجب علينا أن نفعلها.