حضوره بالروح
كان استفانوس، أبداً، بالروح، مع تلاميذه، جاداً في الاهتمام بهم، حريصاً على خلاصهم، دائم الامتداد في الصلاة إليهم، يعرف كل أحوالهم حتى في غيابه عنهم. فقد عرض لأحد تلاميذه، مرة، فضعف، ومن شدة الضعف عجز عن إتمام قانونه. وبعد الضعف حصل له استرخاء فكان ينهزم له. وصار شديد الحزن من تملك النوم عليه.
وفي ليلة من ليالي الصيف كان نائماً بعدما غلبه الاسترخاء. فلما نام ساعة أو بعضها نظر إنساناً مخيفاً يدخل من باب القلاية. فإذا به معلمه عينه. تقدم الشيخ منه حاملاً عصاه ونظر إليه بإمعان مؤاخذاً إياه على نومه وتهاونه. وبدا كأنه غاضب، لكنه لم يتكلم، فعض التلميذ الحياء فقام وأتم قانونه بنشاط. إذ ذاك تقدم الشيخ ووقف بجانبه. وإذا بابتسامة هادئة حلوة ترتسم على وجهه. ثم ما لبث أن انصرف عنه. أما التلميذ فرغب في أن يتبرك من معلمه فعجل في صلاته وأسرع إليه فلم يجده. كان قد توارى رغم أن الأبواب كانت موصدة بإحكام. كان من المفترض أن يكون المعلم، بعيداً، في المنسك. وإذ أتم التلميذ صلاة الرهبان مضى إلى موضع معلمه. فسأله الشيخ: "لماذا جئت إلى هنا، الآن يا بني؟" فسكت التلميذ قليلاً ثم سأل: متى ذهبت إلى القلاية يا أبي ومتى رجعت؟! فابتسم الشيخ وقال له: صدقني يا بني أني لم أبرح مكاني هنا بالجسد، ولو كنت في الروح حضرت بإزائك، كما رأيتني. فمن الآن لا تعد تتوانى في خلاص نفسك. أفتظن، يا بني، أني، أنا المسكين، جاهل بأمورك؟! لا، بل الحق أنه وإن كان الله وحده علام الخفايا فقد وهبني هذه النعمة أيضاً لأجل خلاصكم. لذلك أقول لك، لا يغيب عني شيء من تدبيركم. ولو أردت أن أخبر بكل سرائركم لقدرت على ذلك بعون الله. لكن لأني لا أريد أن أبكتكم وأحزنكم لذلك لا أكشف أموركم. فإني، أنا إنسان، مثلكم تحت الضعف. فامض الآن وأخبر بقية التلاميذ بذلك لأنهم، هم أيضاً، مرضى بقلة الأمانة نظيرك. ولما قال هذا انصرف التلميذ متعجباً يسبح الله.