تجربة التجديف
جاء لاونديوس، كاتب سيرته، من دمشق وترهب في دير مار سابا. وقد جعله رئيس الدير في عهدة راهب شماس. ولما كان، بعد، جاهلاً الكتب الإلهية فقد رماه الشيطان بسهام التجديف على الله فظن أن ذلك منه هو فحزن جداً. وإذ أخذ الشيطان يثقل عليه جعل يبث أفكاراً أن يقتل نفسه، فكان ينوح ويبكي. أذاب جسده الإمساك فلم ينتفع شيئاً. وإذ كان يطعن بسهام التجديف كان يضرب رأسه بالأرض بغير شفقة لعله يجد من شدة الوجع بعض الراحة من الأفكار، ولكن عبثاً. أقام على هذه الحال سنتين إلا بضعة أشهر حتى فنيت قوة قلبه واحترق بعض وجهه من حرارة الدموع. وإذ كان قد سمع عن الشيخ استفانوس استأذن معلمه وجاء إليه. فلما وقف أمامه قبض عليه الشيطان بالحياء فصمت. أما الشيخ فعرف بحاله واحتضنه ببشاشة وطول أناة وشجعه على الكلام قائلاً له: خير لك، يا بني، أن تقر وتفصح سرائر الشيطان الدنسة حتى إذا ما أبصر فاحص القلوب تواضعك وهبك الشفاء. ولما شق الأمر على الفتى ولم تنفك عقدة لسانه بدأ الشيخ يخبره بحاله عنه. ثم قال له: لا تظن، يا بني، أنك وحدك مصاب بهذا الداء! فأنا، نفسي، جربت به وكثيرون، أيضاً، ممن يترهبون. لذلك أقول لك أقر بأفكار قلبك ولا تستحي مني. استحي، بالأحرى، أن تكتم أمرك عن عين الله المرهوبة. إذ ذاك أخذ يقر بتجديفه ويكشف جراحه. لكن وجعه كان كبيراً فأشفق عليه الشيخ وصرفه بعدما وعده بالصلاة من أجله. وبالفعل تحسنت حال الفتى. لكن سهام التجديف ما لبثت أن عادت من جديد. فأسرع إلى الشيخ وأقر لديه بوجعه فعلمه قائلاً: لا يمكنك أن تطرد هذه الأفكار بشيء إلا إذا حسبتها كلا شيء واستعنت بالصلاة. والآن أراك عييت فضع يدك على عنقي، ففعل، فقال له: مني يسأل الله، يوم الدينونة، الخطيئة التي تظن أنها تعرض لك من هذا، لأن الأبالسة يزرعون، في عقلك، هذه الأفكار بغير مشيئتك. فمن الآن لا تعد تهتم لها. ثم أن الشيخ صلى عليه من جديد وزوده بكلام كثير فلم تعد الأفكار تراوده. إثر ذلك تتلمذ للشيخ وأمسى تحت جناحيه أربع سنوات إلى حين وفاته.