رهبنته:
هزّت رؤى الدينونة العتيدة أعماق أفرام فهرب من العالم وهموم العالم سالكاً في ما قاله مرنّم المزامير: "هاأنذا ابتعد هارباً وآوي إلى القفار" (المزمور54). همّه، على حدّ تعبير النيصصي، بات موجّهاً لنفسه والله. هكذا تقدّم في اكتساب الفضيلة. إنضمّ أفرام إلى شيخ مبارك اسمه يوليانوس وتتلّمذ عليه "كان يعلّم أن حياة البرّية تحرِّر الراغب فيها من صخب العالم الباطل، وتجعله كليم الملائكة عن طريق السكينة وترفع ذهنه باستمرار إلى الرؤى الإلهيّة". لم تكن لحميّته في النسك حدود: نوم على الأرض وصوم لأيّام بكاملها وسهر في الصلاة أكثر الليل وعمل وتعب في النهار. كان قانوناً في كل أديرة مصر وبلاد ما بين النهرين أن يبذل النسّاك أتعاباً جزيلة جزاء توبتهم وتكفيراً عن معاصيهم السالفة. وكان عليهم أن يقدّموا عن ذلك حساباً في نهاية كلّ أسبوع. ولكن كان العمل اليومي كان مقروناً بالصلاة. فكان على كل راهب أن يحفظ كتاب المزامير عن ظهر قلب. أما ما يحصّلونه فوق ما يحتاجون إليه فكانوا يوزّعونه على الفقراء. الفقر عندهم كان التزاماً.