ثانيًا - الأعمدة التذكارية:
كانت تقام الأعمدة أيضًا -منذ العصور القديمة -بجوار المعابد والمزارات. وقد وجد بالقرب من أريحا معبد صغير يرجع إلى العصر الحجري الحديث، وبداخله عمود حجري مستدير. وكان الكنعانيون يقيمون الأعمدة رمزًا للآلهة من الذكور ويتعبدون لها. لذلك أوصى الرب شعبه قديمًا بالقول: "لا تسجد لآلهتهم ولا تعبدها.. بل تبيدهم وتكسر أنصابهم" (خر 23: 24). كما أوصاهم قائلًا: "لا تنصب لنفسك سارية من شجرة ما بجانب مذبح الرب إلهك الذي تصنعه لك. ولا تقم لك نصبًا. الشيء الذي يبغضه الرب إلهك" (تث 16: 21،22).
وبدراسة المواضع التي ذكر العهد القديم أن فيها أقيمت مثل هذه الأعمدة، نجد أن أهم غرض لإقامتها، هو أن تكون للذكرى، مثل العمود الذي نصبه يعقوب على قبر راحيل - زوجته المحبوبة -(تك 35: 20). كما أن أبشالوم إذ لم يكن له ولد، أقام نصبًا (عمودًا في وادي الملك لأجل تذكير اسمه (2 صم 18: 18).
وكان تخليد الأحداث الهامة يتم باقامه أعمدة أو نُصب تذكارية، فقد أخذ يعقوب الحجر الذي وضعه تحت رأسه، وأقامه " عمودًا وصب زيتًا على رأسه، ودعا اسم ذلك المكان بيت إيل" (تك 28: 18و 19).
وعندما قطع يعقوب عهدًا مع خاله لابان، " أخذ يعقوب حجرًا وأوقفه عموداًَ" (تك 31: 45-54).
وعند عودة يعقوب من فدان أرام إلى بيت إيل، ظهر له الله وباركه، "ثم صعد الله عنه في المكان الذي فيه تكلم معه، فنصب يعقوب عمودًا في المكان ... عمودًا من حجر، وسكب عليه سكيبًا وصب عليه زيتًا" (تك 35: 9- 15).
وبعد أن حَّدث موسى الشعب بجميع أقوال الرب ووعدوا بالطاعة: "بكر في الصباح وبني مذبحًا في أسفل الجبل، واثني عشر عمودًا لأسباط إسرائيل الإثنى عشر" (خر 24: 4). وعندما إنتهي يشوع من حديثه الختامي إلى بني إسرائيل، أخذ حجرًا كبيرًا (عمودًا) ونصبه هناك تحت البلوطة التي عند مقدس الرب . ثم قال... " إن هذا الحجر يكون شاهدًا علينا" (يش 24: 26 و27).
ولما انتصر بنو إسرائيل على الفلسطينيين في أيام صموئيل النبي، أخذ حجرًا (عمودًا) ونصبه بين المصفاة والسن، ودعا اسمه جحر المعونة (1 صم 7: 12).