"كلّا!"، أجاب ثيوذوروس بنبرةٍ قاطعة. " ليس الإله الذي أعبد عرضة للضعفات ولا لتوتّرات البشر النابية. صحيح أنّه أولد ابناً لكنه أولده على نحو إلهي، وإيلاده العجيب لابنه هو إلهيّ بالكلّيّة. أما أنت، يا أيّها المتهكّم الخبيث، فكيف تجعل من امرأةٍ إلهة؟ أما تخجل من عبادة إلهة تعاني آلام الطلق وتنجب آلهة أطفالاً كما الأرنبة خرانقها والخنزيرة البريّة خنانيصها؟ "
بهذا الجواب الفوري اللاذع أخرس القدّيس سخرية الضابط الوثني. غير أن المستبدّين كظموا غيظهم وتكلّفوا الظهور بمظهر التسامح. وإذ تصنّعوا الطيبة قالوا: " خير لنا أن نعطي هذا الأحمق وقتاً ليفكّر عساه إذا ما أمعن النظر في ما هو فيه من ضلال يعود إلى جادة الصواب."
على هذا الرأي ترك القضاة ثيوذوروس حراًّ لبعض الوقت وانصرفوا. وكان في أماسيا هيكلّ لأم الآلهة أقامه الوثنيون على ضفة النهر. هذا دخل االقدّيس إليه وأشعل فيه ناراً، فأتت النار على المكان برمّته، في ساعات قليلة، واستحال رماداً.
وضجت المدينة! ماذا جرى؟ من الفاعل؟!
جواب القدّيس لمحاكميه: "أنا أحرقته!" . رفع ثيوذوروس صوته عالياً ولم يخطر بباله أن يتوارى، بل تباهى بعمل يديه كمن يستأهّل عليه مجداً مخلّداً.
وإذ اعترف بفعلته ولم ينكر، أخذ يسخر من الوثنيين علناً مستهزئاً بما كانوا يبدونه من أسف على خسارة هيكلّهم وإلهتهم. ثم أن القضاة أرسلوا فقبضوا عليه وأوقفوه أمامهم، فخاطبهم بثقةٍ كاملةٍ وحرية ضميرٍ ملفتة.