ثالثًا:
هناك بعض المغالطات (قد تكون غير مقصودة) في كلامك، أي بعض المعلومات الخاطئة،
مِثل: لا يمكن كبت السائل المنوي في الجسم...
لا توجَد معلومة طبّيّة تقول أنّ هذا السائل يتحوَّل لنوع من طاقة أخرى يستفيد بها الجسم بطريقة مختلفة...
لماذا لا يكون فِعل الاستمناء شيئًا طبيعيًّا، إن كانت ممارسته عند الحاجة فقط؟...
ولنناقش هذه النقاط الثلاث:
+ لقد شرحنا أثناء تناولنا التركيب التشريحي والوظيفي والبُعد الإنساني للغريزة الجنسيّة (الباب الثاني والثالث لكتاب حياة الطهارة)،
أنّ الإنسان لديه القدرة على التحكّم في جميع الوظائف الحيويّة عن طريق المراكز العليا في القشرة المخّيّة،
وأنّ الجنس يمكن ضبطه والتحكُّم فيه، وهذه حقيقة علميّة يختبرها الإنسان الطبيعي..
ولكن إذا سلّم الإنسان بإرادته نفسه للعادة الرديئة، ومارسها بتكرار..
فإنّ أعصابه وإرادته تضعف تدريجيًّا،
ويصير غير قادر على التحكُّم في نفسه بشكل قوي وسليم،
فيظنّ خطاً أنّ الطبيعي أنّه لا يمكن أن يسيطر على نفسه أو أن يحافظ على السائل المنوي في جسمه،
وهذا الظنّ الخطأ فقط لأنّه وصل إلى درجة من الضعف المَرَضي بالنسبة لأعصابه..
وهنا يحتاج الإنسان إلى تداريب روحيّة لاستعادة قدراته على التحكُّم في نفسه مرّة أخرى، وعندها سيكتشف الإنسان أنّه وقع في خدعة، وأنّه بنعمة الله قادر على السيطرة على نفسه في هذا الأمر بشكل كامل.
+ السائل المنوي عندما يقوم الجسم بتكوينه، فإنّه يمرّ بمراحل تبدأ بتكوين الحيوانات المنويّة في الخصيتين ثم تنتقل في قنوات من الخصيتين إلى مكان التخزين في الحويصلتين المنويتين خلف المثانة،
حيث تُفرَز مجموعة من السوائل الغنيّة بالطاقة لتغذية الحيوانات المنويّة، وبعد حوالي ثلاثة أيّام تموت الحيوانات المنويّة وتتحلّل ويُعاد امتصاص مكوّناتها، ويتكوّن غيرها في عمليّة مستمرّة للإحلال والتجديد، كما يحدث مع غالبيّة خلايا الجسم مثل خلايا الجلد والدم...إلخ.
وهنا نحن أمام عمليتين مستمرّتين
هما بناء وهدم Anabolism and Catabolism،
تكوين وإعادة امتصاص..
هكذا كما يحدث مع جميع العصارات الهاضمة والإنزيمات التي تفرزها غدد الجسم،
تُمتَص وفي نفس الوقت يُعاد التخليق والإفراز من جديد..
وهذا معناه أنّ إهدار السائل المنوي هو إهدار لطاقة كان الجسم سيستفيد بها في عمليّة التكوين المستمرّة التي يقوم بها..!
هذا ما يحدث مثلاً مع خلايا الدم الحمراء، فمعروفٌ أن عمرها الافتراضي حوالي 120 يومًا ثم تتكسَّر، ويستفيد الجسم من مكوِّناتها وخاصةً الحديد في بناء خلايا حمراء جديدة،
وتتمّ هذه العمليّة من هدم وبناء بشكل تلقائي مستمرّ في الجسم..
وهكذا أيضًا في حالة السائل الموجود حول المخ والنخاع الشوكي CSF فهو يُمتَصّ ويُفرَز الجديد منه في عمليّة مستمرّة على مدار اليوم..
كما لا نستطيع أن ننكر أبدًا التأثُّر الصحِّي الواضح لمَن يمارسون الاستمناء بكثرة،
وهذا يحسّ به الشخص نفسه ولو لمدّة بسيطة بعد الممارسة..
ويظهر التأثُّر السلبي بوضوح أكثر كلّما تقدّم السنّ بالإنسان، لأن عمليّات البناء في الجسم تضعف تدريجيًّا وتصير أبطأ بعد تجاوُز مرحلة الشباب..
أنا لا أنسى أبدًا في فترة عملي كطبيب بالجيش في التشكيلات البريّة بالصحراء الغربيّة في أواخر الثمانينيّات، أنّ بعض العسكريين كانوا يحضرون للعيادة وهم يشْكُون من حالة ضعف عام، وهبوط، وتعب لأقلّ مجهود، وعدم قدرة على القيام بأعمالهم بشكل سهل وطبيعي.. ويطلبون مقوِّيات معيِّنة، على الرغم من أنّهم في سنّ الشباب..
وكان السبب الذي يعترفون به هو الإفراط في ممارسة الاستمناء..!
+ العادة الرديئة (الاستِمناء) ليست فِعلاً طبيعيًّا، بل هو تجاوب مع نداء الشهوة، حتّى تتميمها بالفِعل..
الفِعل الطبيعي هو الفيض المنوي أثناء النوم، لأنّه مجرّد خروج لِما هو زائد من السائل المنوي، فوق قدرة الجسم على إعادة الامتصاص..
أمّا الاستمناء فهو تهدير لطاقة مُختَزَنة داخل الجسم بطريقة غير سويّة.
+ مغالطة كبرى أن نقول أنّه من الطبيعي أن الإنسان يقوم بالاستمناء عند الحاجة فقط..
لأن مفهوم الحاجة يختلف من شخص لآخَر بحسب تكوينه، وعمره، والمؤثّرات التي حوله، ومدى خضوعه لهذه المؤثِّرات..
وأيضًا حالته الروحيّة والنفسيّة، ومدى شبعه الداخلي بالنعمة والحبّ الإلهي..
كما لا ننسى مسئوليّة الإنسان عن غالبيّة العوامل السابقة، بمعنى مسئوليّة الإنسان عن وضعيّة الاحتياج أو وضعيّة الشبع التي هو فيها..!
فكيف نقول بممارسة هذا الفِعل عند الحاجة..؟!
وإلاّ فإنّنا نبيح السرقة عند الحاجة، والقتل عند الحاجة، والعنف عند الحاجة...إلخ.
والحاجة في كلّ هذه الظروف قد تكون وضعًا يخلقه الإنسان بنفسه..!!