طفولته وبداية حياة الرهبانية:
إنكب على دراسة الكتب المقدّسة والآباء المتوشّحين بالله. أتقن ترتيب الخدم الليتورجيّة وهو في الثانية عشرة من عمره. أثار إعجاب معلّمه لحدّة ذكائه. نزع إلى اتباع مثال الرهبان القديسين الذين قرأ سيرتهم بشغف.
ذات يوم، مرّ به راهب اسمه يوسف. تجاذب وإياه أطراف الحديث. تبعه نيقولاوس حتى دون أن يودّع والدته وأقرباءه. لما بلغ أبيدافرا، سمع عن ناسك معروف قدّيس اسمه أنطونيوس. ذهب لزيارته. أعجب بطريقة حياته وتعليمه. لفته أنطونيوس إلى صعوبة الحياة النسكية. حظي ببركة بقائه لديه، بعدما أصرّ بدموع. أمّا يوسف الراهب فواصل طريقه.
أطاع الشيخ طاعة كليّة واجتهد أن يقتدي بسيرته الملائكية في التفاصيل. ألبسه أنطونيوس الثوب الرهباني بسرعة وأعطاه اسم نيفون. لم يكن يقرأ إلاّ بدموع. بعد فترة قصيرة رقد أنطونيوس بالرّب، وخرج نيفون يبحث لنفسه عن أب روحيّ جديد. سمع براهب آثوسي فاضل حكيم اسمه زكريّا، يقيم في مدينة أرثا، فذهب إليه وطلب منه أن يعلّمه طريقة الحياة في الجبل المقدّس. لكن الاضطرابات التي حصلت في الكنيسة نتيجة الوحدة الزائفة، الآتية من مجمع فلورنسا (1439)، لم تترك للرهبان أن ينعموا بحياة السكون التي يرغبون فيها. تبع القدّيس نيفون شيخه إلى نواحي عسقلون وكروغيا في ألبانيا سعيًا إلى تثبيت الشعب في الإيمان الأرثوذكسيّ.
جعل الأمير جاورجيوس كاستربوتيس زكريّا أباه الروحي واحتفظ به في قصره مع القدّيس نيفون. ولكن بعد سقوط القسطنطينية (1453م) لجأ القدّيسان إلى الجبل. وما إن عاد الهدوء حتى رجعا إلى أوخريدا حيث أقاما في دير والدة الإله. فلمّا رقد رئيس أساقفة أوخريدا، المدعو نيقولاوس، اختار الأساقفة ورجال الإكليروس، في تلك الأنحاء، زخريا ليشغل كرسي أوخريدا. بعد تحفّظات عديدة أبداها رضخ. ثم قبل أيام قليلة من سيامته سأله القدّيس نيفون البركة ليعتزل في جبل آثوس. أخذ عليه شيخه أن يتخلّى عنه في اللحظة التي يحتاج فيها إليه. ما إن حلّ الليل، وفيما كان زخريا قائمًا في الصلاة، استطلاعًا لمشيئة الله، جاء ملاك الرّب وأوعز إليه بترك تلميذه بذهب إلى الجبل المقدّس.