صيرورته راهبًا:
لمّا تقدّم موسى في المعرفة قليلاً طلب أن يصير راهباً، فشرح له إيسيدوروس أتعاب الرّهبانيّة ومحاربات الأبالسة وحاول أن يصرفه إلى أرض مصر. كان هذا ليختبر تصميمه. فلمّا رآه ثابتاً صادقاً عاد فأرسله إلى القدّيس مكاريوس أب البرّيّة.
وهناك أدّى موسى اعترافاً علنيّاً كاملاً، بخطاياه، في الكنيسة ضمّنه كلّ ما فعل من قبائح في حياته الماضية. مكاريوس، أثناء اعترافه، كان يعاين لوحاً عليه كتابة سوداء. فكلّما اعترف موسى بخطيئة ارتكبها كان ملاك الرّبّ يمسحها له.وما إن انتهى من أداء اعترافه حتّى كان اللوح قد ابيضّ.
إثر ذلك وعظه مكاريوس وأعاده إلى إيسيدوروس فألبسه إسكيم الرهبانيّة وأوصاه قائلاً: اجلس، يا بنيّ، في هذه البرّيّة ولا تغادرها، لأنّك في اليوم الذي تخرج منها تعود إليك كلّ الشّرور. لذا أقم زمانك كلَّه فيها، وأنا أؤمن أنّ الله سيصنع إليك رحمة ويعطيك نعمة ويسحق الشّيطان تحت قدميك.
سكن موسى، أوّل أمره، بين الإخوة الرّهبان. لكنّه، لكثرة الزّوّار، طلب أن ينعزل فأرشده القدّيس مكاريوس إلى قلاّية منفردة عاش فيها مثابراً على الجهاد الرّوحيّ. وبقدر ما كان موسى مقبلاً، في ماضيه، على الشّرّ، صار مقبلاً، في حاضره، على التّوبة والجهاد. ذكّره الشّيطان بعاداته الآثمة القديمة فنصحه الأنبا إيسيدوروس بالثّبات في الجهاد لأنّ تلك العادات كانت قد تأصّلت فيه.