- إنتقاله إلى هو دير القدّيس ماما ومعاينته للمسيح:
من دير ستوديون انتقل قدّيسنا إلى دير صغير هو دير القدّيس ماما.
انضم إليه كطالب رهبنة، لكنّه حافظ على صلته بأبيه الروحي سمعان التقيّ. وقد بقي كذلك إلى أن اقتبل الإسكيم من يده واتخذ اسم سمعان أيضاً.
تلك المناسبة كانت إيذاناً ببدء مرحلة جديدة من الترقّي الروحي في حياته، فلاذ بالصمت كاملاً وكذا بالصلاة وتأمّل الكتاب المقدّس مكتفياً لجسده من الطعام ببعض البقول.
قلايته، التي لم يعد يخرج منها إلاّ للاشتراك في الخدم الإلهية، أضحت له أتوناً متّقداً غاص فيه بكلّيته ليتحوّل إلى لهب حبٍ نقيٍ كثيراً ما أدخله ربّه، من خلاله، حالة الذهول والدهش.
سمعان، في إحدى مقالاته، شبّه نفسه برجل شقي بعدما سقط في جب الحمأة سحبه ربّه منها رأفة به، ومن ثم استاقته يد أبيه الروحي عبر فخاخ العدو وصعوبات عاناها جمة إلى ينابيع المياه ليغتسل وينتقي مما علق فيه ويتحول من العمى إلى معاينة الروحيات.
وعلى قدر ما تنقّت بصيرته نعم برؤى نورانية تنامت وضوحاً. وفي نور كالشمس لا هيئة له سقط حجاب عدم الحس لديه، فعاين، شيئاً فشيئاً، وجه المسيح وميّزه بنقاوة متزايدة.
أخذ كما خارج الجسد فصار في ذهول. كلّمه المسيح وأسماه أخاً وربيباً. لم يفهم إلا بعد سلسلة من الرؤى وبعدما استغرق في ذرف الدموع أمام إيقونة والدة الإله أنه اقتنى، داخل قلبه، ذاك الحب مشخصناً الذي هو السيّد نفسه.