سلك قديسنا في ما وعد به بكل غيرة وأمانة إلى أن رغب معلمه في امتحانه يوماً ليرى مقدار تمسكه بنذر الطاعة، فقال له: "يا ولدي الروحاني، قد بلغني أن عمل أيدينا الذي هو الزنابيل مطلوب بدمشق. وقد اجتمع عندنا منها شيء كثير. فقم اذهب إلى مدينتك وخذها معك لتبيعها وتحضر لنا ثمنها لاحتياجنا إليه في النفقة". فحمّله إياها ورسم له ضعفي ثمنها لئلا يتيّسر له بيعها بسرعة. فلما خرج أرسل له الرب راهبين آخرين منطلقين إلى دمشق فساعداه على حمل الزنابيل. ولما وصل إلى السوق لم يصادف من يشتريها منه لغلاء ثمنها. وفيما هو جائل حائر في أمره، رآه بعض خدمه ممن كانوا له في العالم، فعرفوه ولم يعرفهم، فرقّوا له وأخذوا منه زنابيله بالثمن الذي طلبه. فعاد يوحنا إلى معلمه وقد ظفر بإكليل الغلبة على شيطان الكبر والعظمة.
وحدث مرة أن رقد بالرب أحد الشيوخ الرهبان وكان جاراً ليوحن، فحزن أخوه في الجسد عليه حزناً شديد، وكان هو أيضاً راهباً. فجاء إلى يوحنا وسأله أن ينظم له طروبارية تسليه عن غمّه، فاعتذر يوحنا لأنه لم يشأ أن يخالف الشيخ معلمه في ما وضعه عليه. لكن الراهب أصرّ بالقول: "ثق أني لن أبوح بها ولن أرتلها إلا وأنا وحدي". وظلّ عليه حتى أخرج له طروبارية. وفيما كان يلحّنها، أدركه معلمه الشيخ فقال له: "أبهذا أوصيتك؟! هل أمرتك أن تزمّر أم أن تنوح وتبكي؟! فأخبره يوحنا بما جرى له وسأله الصفح فامتنع قائلاً: "أنك منذ الآن لا تصلح للسكنى معي، فانصرف عني بسرعة".