وفي الطريق نزلوا في قرية اسمها تلانيسي كان فيها دير كبير جداً. الرهبان المسافرون ينزلون عادة في الأديرة التي يصادفونها. وكان القديس سمعان العمودي قد استقر في تلانيسي بعضاً من الوقت، وفيها تدرّب على النسك. وكان موضع عموده غير بعيد عن المكان. في تلك الليلة التي نزل فيها القرية رؤساءُ أديرة ما بين النهرين، عرض الرهبان المحليّون لأخبار القديس سمعان، فما كان من الرؤساء الزائرين سوى أن استغربوا واستهجنوا طريقة القديس سمعان وتكلّموا عليه بالسوء معتبرين نسكه ضرباً من ضروب الإدّعاء والمجد الباطل. ولكن، أقنع رهبان الدير زوّارهم بأن يذهبوا غداً إلى القديس سمعان وينظروا وبعد ذلك يحكمون. خرج رؤساء الأديرة ومرافقوهم، في اليوم التالي، لزيارة القديس سمعان على عموده. فما إن وصلوا حتى لاحظهم القديس فأشار إلى بعض تلاميذه أن يدنوا السلّم من العمود لكي يصعد إليه الشيوخ الزائرون لأنه أراد أن يقبّلهم قبلة المحبة. كان الوقت صيفاً والحر شديداً والمكان قفراً فتعجّب الشيوخ لاسيما وقد رأوا صبر القديس وترحيبه بالغرباء. لكنهم لم يشاؤوا أن يصعدوا إليه لأن قلوبهم نخستهم وشعروا بأنهم أساؤوا لأنهم ظنّوا في القديس سوءاً، فقالوا: "كيف نصعد إلى رجل الله لنقبّله بشفاهنا التي تكلّمت عليه بالسوء؟!". لذلك تذرّع بعضهم بالشيخوخة وبعضهم بالمرض وبعضهم بالضعف ولم يصعد إليه أحد منهم. أما دانيال فتوسّل إلى رئيسه أن يسمح له بالتبرّك من القديس فسمح له. فلما صعد إليه باركه سمعان وسأله: "ما اسمك؟" فأجاب: "دانيال!" فقال له: "كن رجلاً يا دانيال! تقوّ واحتمل فإن مشقّات كثيرة بانتظارك. لكني أثق بالله الذي أنا خادمه أنه سوف يقوّيك ويكون رفيق دربك!" ثم وضع يده على رأسه وصلّى وباركه وصرفه.