(ب) موقف العهد الجديد من الرق:
كان هناك عبيد في أزمنة العهد الجديد، ولكن المسيحية لم تصدر قرارًا بإلغاء هذه العادة. ولكن إنجيل المسيح، برسالته، رسالة المحبة السامية الغلاَّبة، خففت من قساوة العصور السابقة، وحولت العنف إلى رفق ولطف. فتعاليم المسيح عن المساواة والعدالة والمحبة، غيرت كل موقف الإنسان من أخيه الإنسان، وموقف السيد من العبد، والعبد من السيد. فروح الأخوة بين جميع الناس، أيقظت ضمير العصر، وقفزت فوق كل الحواجز الطبقية والعنصرية، ونفذت إلى أبعد المناطق. وقد أعلن الرسول هذا الحق: "ليس يهودي ولا يوناني، ليس عبد ولا حر، 000 لأنكم جميعا واحد في المسيح يسوع" (غل28:3، انظر أيضًا 1كو13:12، كو11:3). ويحرض الرسول بولس السادة والعبيد – من المسيحيين- أن يحيوا بالتقوى، وأن يتشبهوا بالمسيح في علاقة بعضهم ببعض، الطاعة للسادة، والصبر وطول الأناة مع العبيد: "أيها العبيد أطيعوا سادتكم 00 كعبيد للمسيح 000 وأنتم أيها السادة 000 تاركين التهديد عالمين أن سيدكم أنتم أيضًا في السموات وليس عنده محاباة" (أف5:6-9).
وأرسل الرسول بولس أنسيمس – العبد الهارب – إلى سيده فليمون طالبًا منه أن يقبله " لا كعبد في ما بعد، بل أفضل من عبد، أخًا محبوبًا 000 فاقبله نظيري" (فل12- 17).
وقد كان المسيح مصلحًا ولم يكن ثائرًا فوضويًا، كان إنجيله داعيًا للخير، ولم يكن هدَّامًا. كان قوة فعَّالة ولكن بالمحبة. وكانت حياة المسيح وتعاليمه ضد كل أشكال العبودية. فإنجيل محبته ونور حياته، كانا كفيلين – في الوقت المعين- أن يمنحا العتق لجميع الناس، وأن يشيعا الاخاء والمساواة والمحبة في كل مكان في العالم، وهو ما أدى فعلا – مع مرور الأيام – إلى إلغاء الرق كنظام يتعارض تمامًا مع المبادئ المسيحية، رغم أن المسيحية لا تشرِّع للعالم، لأن المؤمنين ليسوا من العالم، بل هم غرباء ونزلاء فيه.
أما أمرَّ أنواع العبودية، فهي العبودية للخطية، لأن " كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية" (يو34:8). فالناس بالطبيعة مستعبدين للخطية (رو 6: 6)، إذ " اقتنصهم إبليس لإرادته" (2تي26:2، انظر أيضًا رو23:7)، فهم " عبيد الفساد" (2بط19:2). وقد كنا " مستعبدين تحت أركان العالم، لكن لما جاء ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس 000 لننال التبنِّي" (غل 3:4-5). فقد جاء المسيح " لكي يخلص ما قد هلك" (مت 11:18، لو 10:19)، لينادى للمأسورين بالإطلاق، ويرسل المنسحقين في الحرية (لو 18:4، انظر أيضًا إش 6:42 و7، 1:61 و2)، وفي سبيل ذلك " اخلى نفسه أخذًا صورة عبد..." (في 3: 7و8). ولا سبيل للتحرر من عبودية الخطية إلا بالإيمان بالرب يسوع مخلِّصًا ورَّبًا، " لأنه إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا" (يو36:8، انظر أيضًا يو 32:8). ويحرض الرسول المؤمنين قائلًا: "فاثبتوا إذًا في الحرية التي قد حررنا المسيح بها، ولا ترتبكوا أيضًا بنير عبودية" (غل1:5).