والثانية في زعمه (لفي شكّ... إلخ) وقد عرفنا أنّ اللام للتوكيد. أمّا بعد فمَن الذي شكّ؟ والجواب: الذين اختلفوا فيه. بماذا شَكّوا؟ والجواب: إمّا أنّ المقتول "عيسى" أو شبيهه. فإن لم يُقتَل عيسى فكيف مات؟ والجواب: رَفَعَهُ اللَّهُ إليه! أي رفعه بدون موت، كما يبدو، لكنّ موت عيسى ملتبس في القرآن. وقد رأينا في القسم الثالث أنّ عيسى "لم يمت بعد" لكنّ هذا لم يشمل جميع مقولات القرآن عن الوفاة. فما النتيجة إذًا؟ والجواب: (اتّباع الظّنّ) فما اليقين؟ والجواب: (ما قتلوه يقينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إليه) فما الدليل؟ والجواب: لا دليل ولا برهان.
فأين بيان القرآن من "الفاتحة" إلى "الناس" وأين بلاغته؟ إنّما رثيت لبؤس بيان كبيان القرآن وسط أزيد من 60 مفسِّرًا ناطقًا بالعربيّة بما في تفاسيرهم من اختلاف. وأرثي لبلاغة كبلاغة القرآن إذ اختلف جميع أهل التأويل على معاني القرآن ولاسيّما الأجيال الأقرب إلى زمن محمد.
وبالمناسبة؛ تفضّل الشاعر العراقي معروف الرصافي، من الطّائفة السُّنّيّة، بنقد بلاغة القرآن في "الشخصيّة المحمّدية أو حلّ اللغز المقدَّس" ابتداء بالصفحة 614 مثالًا لا حصرًا! وتفضّل السيد العراقي أحمد القبانجي، من الطّائفة الشِّيعيَّة، في محاضرته "نقد الاعجاز البلاغي في القرآن" المتوفرة كاملة على يوتيوب. والسؤال المُرّ الذي سأله أزيد من مفكّر ومن باحث: هل من المعقول أن يوحي إله السماء بما يجعل الناس تائهين بين تفسير هذا وتأويل ذاك وبين معتقَد هذا ومذهب ذاك؟ قطعًا كلّا. لكنّ بعض السُّذّج صدعوا رأسي بأنّ (مِن عظمة القرآن أنّ معانيه، الظاهر منها والمخفي، فاقت مستويات تفكير البشر) فأجبت على زعمهم بالتالي: (هل من الحكمة الادّعاء أن الله يوحي إلى الإنسان بأسرار لا يستطيع حلّ ألغازها إلّا الله؟) وبهذا أجاب غيري أيضًا مِن قبل. وأردف الملحدون من خلفيّة إسلاميّة ما معناه: (فليحتفظ هذا الإله بعلومه وأسراره وألغازه لنفسه، لا حاجة بنا إليها، لأننا لسنا حقول تجارب) وأردفت في النهاية: حاشا الله ممّا نُسِب إليه في القرآن.