10- الخط اللاهوتي والروحانية المشرقية
إن اللاهوت جُهد بشري يسعى لفهم الإيمان، والتعبير عنه بلغة مفهومة بحسب الزمان والمكان. وتختلف هذه اللغة من جيل إلى جيل، ومن حضارة إلى أخرى. هكذا نجد منذ فجر المسيحية، اتجاهات مختلفة في التعبير اللاهوتي بين الكنائس، شرقاً وغرباً، مثلما نجد رُتَباً وممارسات، نابعة من حاجات الناس ولغتهم، إنطلاقاً من الأسئلة التي يطرحها الإيمان على ضميرهم. فالتعددية اللاهوتية حق مشروع وظاهرة حضارية. من هنا نستنتج ان الإيمان ثابت ومطلق واللاهوت نسبي، وكعلم يستفيد من المدارس الفكرية التي يتحرك فيها البشر، فيختلف التعبير والنهج، بحسب الإطار التاريخي والحضاري والثقافي للشعوب.
من المؤكد ان هناك سمات مشتركة بين السريان، مشرقيين كانوا أو مغربيين، ولكن كل طرف أختص في تعميق شخصيته وهويته انطلاقا من عقيدته، لا سيّما فيما يخص المسيح، فهناك لاهوت سرياني مشرقي، نسبة إلى مؤسسيه الذين كانوا يسكنون شرقي نهر الفرات في بقعة جغرافية واسعة تعرف ببلاد ما بين النهرين، ولاهوت سرياني غربي، نسبة إلى مؤسسيه الذين كانوا يسكنون غربي الفرات. إنطلق اللاهوت المشرقي من نظرة تاريخية، تهتم بمعنى الأحداث والأشخاص لحمل الناس على تحقيق نداءات الله في ظروفهم الحياتية اليومية، مشدداً على الجانب الإنساني من دون ان يُهمل الجانب الإلهي، في حين شدّد اللاهوت السرياني الغربي على الجانب الإلهي في كل عمل الخلاص، مُؤكِّدًاً على الجانب الروحاني. تأثَّر الآباء المشرقيون بآباء أنطاكية وبخاصة ثيودورس المصيصي، في حين اتسم لاهوت آباء السريان المغاربة بسمات اللاهوت الاسكندري، متأثرين بأثناسيوس الكبير.
عموماً ينبع لاهوت المشارقة من واقع المشرق الحضاري والاجتماعي والاقتصادي: فالمسيحيون كانوا عادة فلاحين أو رعاة أو رهباناً وقلما تبوأوا مراكز القوة أو السلطة، لذا جاء لاهوتُهم مفعما بالعفوية والحماسة والقلب. وهو أقرب إلى اللاهوت المعاصر منه الى اللاهوت الكلاسيكي.