3-العصر العباسي وحركة الترجمة
ظلّت المسيحية مزدهرة في هذه المناطق، حتى بعد الفتح العربي، وصارت فيها مؤسسات: مدارس وبيمارسانات (مستشفيات) وأديار. يقول الأب هنري لامنس اليسوعي عن انتشار لغة السريان: “من عجيب الأمور ان انتشار لغة الآراميين بلغ في عهد السلوقيين مبلغًا عظيمًا، فأضحت اللغةَ السائدة في كل آسيا الساميّة، أعنى في سوريا وما بين النهرين وبلاد الكلدان والعراق وجزيرة العرب. وكان العرب المسلمون أيضًا يدرسونها لكثرة فوائدها. ولا نظن ان لغة أخرى، حتى ولا اليونانية، جارت السريانية في اتساع انتشارها،
اللهم إلا الانكليزية في عهدنا”. أما سليم مطر، فيبيّن مدى تأثير السريانية على العربية قائلا: “اللغة العربية طوّرت نفسها، وكوّنت نَحْوَها من خلال تجربة اللغة السريانية”. قد يكون هذا التأثير حصل، لما اعتنق قسمٌ من الآراميين (السريان) الإسلام، وأصبحوا موالين لإحدى القبائل العربية أو لأحد القادة المسلمين الكبار.
عندما جاء العرب المسلمون إلى ما يسمى اليوم بالعراق، كان تقريبًا نصف السكان مسيحيين، يضاف إليهم قسم كبير من سكان إيران. وعرفوا انتشارًا واسعًا كما جاء في مسلة سينغانفو، (الصين) عام 781 التي تخلد مجيء أول فريق من المبشرين المشارقة إليها عام 653. وكان الجاثليــق إيشوعياب الثاني قد رفع اسقفيــة حلوان (في إيران) الى رئاسة أسقفية وكذلك أسقفية هرات (أفغانستان) وأسقفية سمرقند (اوزبكستان) والملابار (الهند) والصين. وهذا يمثل عمق الروح الارسالي لكنيسة المشرق ومدى انتشارها الواسع.