عامل آخر- دفع كنيسة المشرق إلى بلورة لاهوتها الكريستولوجي- هو إقامة السريان المغاربة مفريانا لهم في تكريت، وحضورهم المؤثّر. وإثر اجراءات جوستينيانس الامبراطور الروماني (518-527)، بفرض عقيدة مجمع خلقيدونية على مسيحيي امبراطوريته، التجأ أساقفة (الطبيعة الواحدة) الى المملكة الفارسية، وأقاموا فيها مراكز مُهمّة، وكانت احدى نتائج هذا اللجوء ازدهار ملحوظ للسريان الأرثوذكس في المنطقة، وكان للأسقف يعقوب البرادعي دور متميز. وفي عام 629 تمَّ تنظيّم هذه الجماعة رسميّا في بطريركية انطاكيا. وفي عام 612 نظّم الشاه كسرى الثاني (591-628) مناظرة لاهوتية حول عقيدة الكنيستين الشقيقتين. وكان الملك قد سبق فمنع المشارقة من انتخاب بطريرك جديد لهم، فأدار الأمور باباي الكبير وآبا الاركذياقون من 608 الى 628. وحضر المناظرة، عدة اساقفة مشرقيون من بينهم إيشوعياب الجدالي ورهبان، وأبرزهم كوركيس من جبل ايزلا (كان مجوسيا واسمه ميهرانكوشناسب وقد استشهد). ويبدو أنهم اعتمدوا أطروحات باباي الكبير (551-628) الكريستولوجية ومصطلحاته التي جاءت في كتابه الموسوم ” الاتحاد”. وبالرغم من أن المناظرة اللاهوتية لم تكن مجمعًا للأساقفة، إلا أن كنيسة المشرق أدرجتها ضمن قوانينها ومجامعها، وعدّتها صياغة لاهوتية رسمية.
قام الشاه كسرى الثاني عام 618-619 بغزو فلسطين، وجلب معه ذخيرة صليب المسيح وأوانيَ مقدسة أخرى، وغزا مصر، ولكن أقحمه الإمبراطور الروماني هرقل (610-641)، مما أثار نقمة عند الفرس، فثاروا على كسرى واغتالوه. وجاءت الملكة بوران وقد أبدت رغبتَها في عقد مصالحة بين الإمبراطوريتين. وكانت قد أذنت ان تختار كنيسة المشرق، رئيساً أعلى لها، فكانت النتيجة ان اختير أسقف بلد، إيشوعياب الثاني الجدالي. وهو الذي كلفّته بقيادة مباحثات الصلح بين المملكتين. فذهب الى المنطقة الغربية، وأعاد ذخيرة الصليب الى القبر المقدس، وفاوض الرومان وعقد معهم صلحًا عام 630.