ومن الأهمية بمكان من أجل وجود وحسن سيرة حياة كنيستنا أن نضع نصب أعيننا أننا في العالم لكننا لسنا من هذا العالم. إن صلاة يسوع من أجل الكنيسة يمكن تخليصها بكلمته التي رفعها إلى الىب، وقد حفظها لنا كاتب الإنجيل الرابع: “لستُ أُصلّي كي تخرجهم من العالم، بل كي تحفظهم من الشرير” (يوحنا 17: 15).
وفي حقبة من التاريخ حيث إنّ الإنسان أكثر أو أقل محصور في حدود ضيقة من المشاكل العالمية، فالكنيسة الوفية لميراثها مدعوة بروح من المسؤولية أن تنادي بالإنجيل. وهذا يعني أن تقدّم لعالمنا، وفي هذا الزمان بالذات، شخص ربنا يسوع المسيح. لا تستطيع الكنيسة ان تتخلّى عن الهدف الأساسي والمطلق المنوط بها وذلك بقصد أن تماشي الاهتمامات العالميّة الزائلة. ويجب أن يكون موقفها من الحضارة، كما هو دائماً جدلياً، بحيث إنها تدنو ثم تبتعد. الكنيسة مدعوة إلى التضامن “مع شؤون الأرض” إلا أنها تدين أيضاً، وتحمل في زماننا لواء النقد الرصين.
لا نستطيع أن نتخلّى عن الأرضية الكنسية. وكما أنه يستحيل بلوغ خريستولوجيا أرثوذكسية خارج حياة الكنيسة وتقليدها، هكذا بالمثل أيضاً يستحيل أن يكون لنا حكم صائب في ما يتعلّق بالمنجزات البشرية خارج خبرة الكنيسة وعقيدتها. في الكنيسة فقط نفهم أن المسيح ليس مجرد مانح للشريعة، أو مجرد قائد ديني أو مجرد شخصية تاريخية فذّة، بل ندرك أنه كلمة الله المتجسد الذي صار جسداً كي يحوّل العالم والحضارة بآن.