1- اهتمام الحضارة الإيجابي ليس معزولاً عن خلق الإنسان الذي جعله الله على صورته. والله، يسوع المسيح الكلمة المتجسد معنيّ بإعادة الخلق بعد أن أظلم الإنسان بفعل الخطيئة. وفي هذا السياق، من الواضح أن الإنسان سواء في الخلق أو في إعادة الخلق في يسوع المسيح قد مُنح طاقات هائلة من أجل خلق تاريخ شخصي. من القداسة، وفي الوقت نفسه الخالق يدعو الإنسان أن يواجه احتياجات هذا الزمان مستخدماً الإبداع الذي هو هبة من الله من أجل توطيد الحضارة التي لا بدّ وأنها جديدة بالدعوة الأصلية المطلقة التي أُعطيت للإنسان. وإذ نراعي الخبرة التاريخية والوضع العام، فهذا يمكن اعتباره غير قابل للتطبيق، ووهماً أو حلماً. ومع ذلك فالدعوة الموجهة إلى الإنسان هي أن يستمر ويتقدم، بمعونة الله، وأن يتقدم من الحالة الحاضرة إلى حالة تتجلى فيها الحياة الإنسان. ويصوغ Niebuhr R. H. المسألة على الشكل التالي: “الحضارة الأساسية يمكن أن تكون حياة إنسانية متجلية في مجد الله. وبالنسبة للإنسان، يستحيل هذا، أما بالنسبة لله فكل شيء مستطاع وممكن، فالله خلق الإنسان جسداً ونفساً، وقد أرسل ابنه إلى العالم كي يخلّص به العالم”.
وفي الجماعة المسيحية، حتى ومن أيام الكنيسة الأولى كان للاهوت علاقات مع الحضارة متعددة الوجوه. وهذا براعته كي لا يكون عمل الكرازة في الفراغ. فالإنجيل لا بدّ أن يراعي الوضع الإنساني. وعلى اللاهوت المهمة والواجب أن يخترق أعماق التاريخ الإنساني، اي أن يدخل في حوار مع الفكر الإنساني. وهذا لا يعني البتة نسبية الإنجيل، أو تكييف الإنجيل مع كل إنجاز حضاري قائم. بل يعني ببساطة أن الفكر الإنسان، لا بل الحضارة الإنسانية هي في معنى ما وفي ظروف ما، تحضير للكرازة.