ولكن بسبب القبول الحر للخطيئة، خُفِّض الإنسان وفقد توازنه. بكلام آخر، لقد تأثرت إنسانية الإنسان بالخطيئة. وفي الأنثروبولوجية الآبائية، الخطيئة هي دمار تسببت به الإرادة الحرّة عند الإنسان المخلوق العاقل. والعالم نفسه تأثر بما أصاب الإنسان. وهكذا، فالقدرة التي منحها الله للإنسان، من أجل الإبداع، تشوّشت وفقدت حيويتها الأصليّة وبعدها. ولدى مناقشة السؤال المتعلق بالحضارة، يجب على المرء أن لا يتجاهل هذه المأساة التي حلّت بالنسل البشري كله. القضية هي أن الخطيئة قسمت الإنسان في صميم وجوده فبات غريباً ومتغرّباً عن حالته الأصلية الأولى والتي هي خدمة الكون وحمايته. وتالياً، فالطاقة الإبداعية نفسه تقزّمت وصارت تتمحور على الأنا الإنساني egocentrism.
وبسبب إخلاء الأقنوم الثاني يسوع المسيح، لنفسه kenosis، ثم إعادة خلق الإنسان وإعادة تكوينه، وإذا كانت الخطيئة قد أحدثت شرخاً وجودياً في بنية الإنسان وتكوينه، فإن إعادة تكوين الإنسان هو بسبب الموقف الذي اتخذه الكلمة المتجسد. إن حجر الزاوية في الأنثروبولوجية الآبائية هو أن الكلمة الأزلي، ابن الله سكن بيننا بمحض إرادته وذلك كي ينجز في شخصه إعادة تكوين الإنسان. وباتخاذه الطبيعة الإنسانية، شفى الإنسان. المساوي للآب في الجوهر (3)، في الأولهة، يصير مساوياً للإنسان في إنسانيته (ما عدا الخطيئة) ليعيد إعادة جبلتنا. هناك ترابط أنثروبولوجي: قام الإنسان الحقيقية تتجلى في شخص الرب يسوع المسيح. وعلى هذا الأساس يمكننا أن نستخلص عدداً من النقاط في مسألة “المسيح والحضارة”: