بكلام آخر، يصبح اللوغوس المتجسد الأساس الأنطولوجي للشركة المسيحية الجديدة. وهذا يعني أن الشركة الكنيسة موجودة، لأن المسيح قائم وموجود، وهي وضع جديد أبدعه الله بإفراغه لذاته، من جهة، وبسكنى المسيح في الواقع الإنسان، من أجل خلاص الإنسان.
وقبل أن نخوض مسألة “المسيح والحضارة”، أجد لزاماً عليّ أن أوضح أن الإنسان لا يستطيع أن يقدم بياناً وافياً كافياً عن شخص المسيح خارج الخبرة الكنسية، وخارج حقيقة الكنيسة، فنحن لا نستطيع أن نهمل الحقيقة المركزية القائمة في الأبعاد الكنيسة. فالخريستولوجيا ليست ثمرة تأمل خارجي، بالمعنى الضيق؛ الخريستولوجيا ليست نظاماً فكرياً يتعلّق بقائد روحي. ويستطيع المرء أن يحوز فكراً حيّاً عن المسيح يسوع، وحياته، ورسالته وأعماله، فقط عندما يوطد نفسه على حقيقة الكنيسة، وتقليدها.
والمقاربة الاكليزيزلوجية للمسألة الخريستولوجية من شأنها أن تصون فهمنا وتحميه بإزاء ما هو فردي، وتقينا الإنزلاق إلى حضيض اعبتار الأقنوم الإلهي المتجسد (Logo)، مجرّد ظاهرة -بين باقات ظواهر كثيرة- جاءتنا بأفكار جديدة، ومناقب جديدة، ومبادئ اجتماعية. والبعد الاكليزيولوجي، من شأنه أيضاً أن يحفظنا بإزاء المفاهيم الفردية المتعلّقة بمن هو يسوع المسيح. إن القول بالمسيح فقط دون سواه، هو ثمرة غياب الاكليريزلوجية الأرثوذكسية (Christmonism). لقد قيل في أشكال عدة وبدءاً من التقليد المسيحي القديم أن الكنيسة هي الحياة المشتركة وشركة المؤمنين على مثال الشركة الإلهية. الكنيسة هي صورة الحقيقة الإلهية غير المخلوقة، القائمة في الوضع الإنساني المخلوق. وهذا يتولّد منه تعليم الكنيسة على المسيح، وهذا التعليم يرتبط بتعليم الكنيسة على الله الواحد في ثلاثة أقانيم. ومن أجل هذا السبب، على نحو وثيق، يجد المرء في التقليد الآبائي، سيما التقليد الآبائي الكبادوكي، صلة متينة بين الخريستولوجيا واللاهوت الثالوثي.