انتشار المسيحية في قلب الجزيرة: يستدل من أقدم المراجع العربية الإسلامية أن أفراداً وجماعات من قبائل هُذيم وعُذرة وجُذام وجُهينة وبلي وبهرا وطيّ وحنيفة دخلوا في المسيحية قبل الإسلام وأن بعض هؤلاء لم يسلم إلا بعد وفاة محمد. وأقرب هذه القبائل للمدينة بنو هُذيم وكانوا فقراء ضعفاء. أما بنو عُذرة فإنهم نزلوا وادي إضم في شمالي الحجاز وعرفوا برقة عواطفهم وطهارة عشقهم. وكانت منازل جهينة بين المدينة والعقبة وفي سيناء حتى الفرما. وجاءت منازل بلي بين المدينة وتبوك. ومن مسيحية قضاعة بهرا وكانت منازلهم بين بلي وبين مشارف الشام. وتاخمت لخم حدود الشام. أما منازل بني طيّ وبني حنيفة فإنها كانت في قلب الجزيرة وإلى شرق المدينة.
وتمر العصور ويبقى حسُّ هذا العهد مسموعاً في ما تبقى من أدب. فهذا حنظلة الطائي يفارق قومه وينسك ويبني ديراً بالقرب من ضفة الفرات. وفيه يترهب حتى يموت. وذاك قس ابن ساعدة يتقفّر القفار ولا تكنّه دار يتحسّى بعض الطعام ويأنس بالوحوش والهوام. وينظم بعضهم الشعر فيزهد في الدنيا ويدعو إلى النظر في الكون والاعتبار بحوادثه.