نجران: ولا يختلف اثنان في أن نجران كانت أهم مواطن المسيحية في الجنوب. ولعل الفضل في اعتناق أهلها المسيحية يعود إلى كنيسة أنطاكية. فقد جاء في كتاب السيرة لابن هشام (طبعة أوروبة 20-22) وفي تاريخ الرسل والملوك للطبري (طبعة أوربة جـ1 ص 919) أن قافلة عربية أسرت راهباً سورياً اسمه فيميون فنزلت به إلى نجران فهدى أهلها طريق الصواب. ويذكر ياقوت كعبة في نجران يقال لها البيعة بناها بنو عبد المدان بن الديان الحارثي على بناء الكعبة فعظموها مضاهاة لكعبة مكة. وكان فيها أساقفة “معثمون”.
وكانت اليهودية قد تسربت إلى بلاد اليمن من جراء خراب أورشليم. وكان آخر ملوك حمير ذونواس يرى في المسيحية ما يذكره بالأحباش ومطامعهم في اليمن. فأوقع بالنصارى في السنة 523 مذبحة نجران ثم جمع من نجا منهم وخيرها بين القتل واليهودية. فاختاروا الموت استشهاداً. فخدَّلهم اخدود النار.
{وروى بعض المحدثين أنه مما جاء في سورة البروج من القرآن “قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود”. ومما جاء في الطبري أيضاً أن دوس ذا ثعبان أفلت ولجأ إلى امبراطور الروم يستنصره على ذي نواس وأن يوستينوس قال له: “نأت بلادك عنا فلا نقد أن نتناولها بالجنود ولكني سأكتب إلى نجاشي الحبشة وهو أقرب ملوك -النصرانية- إلى بلادك”.}
ويروى أيضاً أن النجاش انتصر على ذي نواس مرتين متواليتين في السنة 523 وفي السنة 525. وهنا رب معترض يقول كيف اضطهد يوستينوس أصحاب الطبيعة الواحدة في بلاده ثم تعاون معهم في الحبشة واليمن. والجواب أن صاحب القسطنطينية كان يعتبر نفسه حامي ذمار النصرانية في كل المسكونة.