وتوفي الحارث ابن جبلة في سنة 569 أو في أوائل سنة 570 فتسلم زمام الحكم بعده ابنه المنذر فهب لمحاربة قابوس ملك الحيرة لأنه كان قد انتهز فرصة وفاة الحارث للإغارة. فانتصر المنذر ابن الحارث على قابوس عند عين أباغ في البادية في ربيع سنة 570. ومما تحفظه لنا المراجع عن هذا الأمير الغساني أنه عقد في أوائل عهده مجمعاً محلياً للنظر في بدعة المثلثين tritheisme وحكم عليهم بالهرطقة. وكان ممن أمضى قراراته “كاهن البطريق المنذر الأمجد ومحب المسيح” وهو فيما يظهر كاهن بلاط الأمير. ولم يرضَ الأمبراطور يوستينوس عن المنذر لأسباب نجهلها فأوعز إلى عامله البطريق مرقيانوس أن يحتال عليه ويقتله. وأحس المنذر بذلك فشق عصا الطاعة. فأغار عرب الحيرة على أملاك الروم. فاسترضى الروم المنذر فلم يرضَ بالمفاوضة إلا عند قبر القديس سرجيوس في الرصافة لما تمتع به هذا القديس من الإجلال والاحترام عند السوريين. وفي الثامن من شباط سنة 580 وصل المنذر مع اثنين من أبنائه إلى القسطنطينية فاستقبل فيها استقبالاً حاراً وأنعم عليه الأمبراطور طيباريوس بالتاج بدلاً من الإكليل. وانتهز المنذر هذه الفرصة فسعى لنيل العفو عن اليعاقبة أصحاب مذهبه. ويرى مؤرخ الغساسنة العلامة ثيودور نولدكه أنه لا يجوز تعليق أهمية كبرى على قول يوحنا الأفسسي (4: 21 و36) أن قبائل العرب في سورية كانت متمسكة متعصبة لمذهب الطبيعة الواحدة “لأن ذلك لم يكن ليحول دون دخول أكثرهم في الإسلام بعد خمسين أو ستين سنة”.