حارسة الكروم
ثم يحدثنا عن تحولنا من اللون الحسن إلى السواد: “بنو أمي غضبوا عليَّ. جعلوني ناطوره الكروم. أما كرمي فلم أنطره” [ع6].
دعني أحذر القارئ هنا ألا يأخذ هذه الكلمات بالمعنى الحرفي، بل يحاول أن يفهم المعنى الرمزي. إذا ما كان الفكر قاصرًا عن توضيح المعنى المقصود فذلك يرجع إلى ضعف الترجمة اليونانية من الأصل العبري. إن الذين يدرسون اللغة العبرية لا تواجههم مثل هذه المشكلة. إن التركيبة النحوية للُّغة اليونانية لا تقارن بأناقة العبرية، بل إنها تسبب مشاكل لأولئك الذين يتبعون القيمة السطحية للمفهوم الحرفي. هذا هو المفهوم الذي ينجلي أمامنا لهذه الكلمات على قدر فهمنا لمعانيها:
إن الإنسان لم ينقصه منذ البدء شيئًا من الهبات الإلهية؛ وقد كان دوره هو أن يحافظ على كل ما أخذه من هبات الله الصالحة لا أن يجاهد ليكتسبها. ولكن خطة عدو الخير الخطيرة قد عرَّت الإنسان إذ لم يحافظ على نصيبه من الطبيعة الصالحة التي منحها له الله.
إن الكلمات هنا بها شيء من الغموض إذ تقول: “بنو أمي غضبوا عليَّ. جعلوني ناطورة الكروم. أما كرمي فلم أنطره“.
يعلمنا النص الكثير خلال هذه الكلمات القليلة. أول ما يعلنه القديس بولس الرسول أن جميع الأشياء من الله، ورب واحد هو الآب الذي به جميع الأشياء (1 كو 8: 6). ليس لموجود ما كيان إلا خلاله ومنه. “كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان” (يو 1: 3). بما أن الله هو صانع جميع الأشياء فإذًا الكل “حسن جدًا” (تك 1: 31)، لأنه قد عمل كل الأشياء بحكمة. أعطى الله الطبيعة العاقلة نعمة حرية الإرادة، وأنعم على الإنسان القدرة على تحديد ما يريده حتى يسكن الصلاح في حياته، ليس قسرًا ولا لا إراديًا بل نتيجة للاختيار الحر. إن تمتعنا بحرية الإرادة يؤدي بنا إلى اكتشاف حقائق جلية. في طبيعة الأمور، إذا ما أساء أحد استخدام مثل هذه الإرادة الحرة فإنه بحسب كلمات الرسول يصير مثل هذا الشخص مخترعًا لأعمال شريرة (رو 1: 30). كل من هو من الله يُعد أخًا لنا، أما الذي يرفض الاشتراك في أعمال الصلاح بكامل إرادته إنما هو يبث الشر. إذ يصير “أبو الكذَّاب” (يو 8: 44)، فقد أعدَّ نفسه لمحاربة كل من اِختار أن يعيش في الصلاح.