أنا سبب سوادي!
ثم يضيف النص بعض الكلمات الأخرى ليقوِّي أذهان الدارسين. إن سبب سوادها لا ينسب إلى الخالق، بل منبعه هو الإرادة الحرة لكل إنسان. “لا تنظرن إليّ لكوني سوداء“؛ فلم أكن هكذا منذ البدء، لأنه لا يُعقل إن العروس التي شُكلت بأيدي الله تكون سوداء. “لذلك لم أكن سوداء” تقول العروس، “لكنني صرت هكذا”. لست سوداء بالطبيعة لكن قد لحقني العار، إذ أن الشمس قد لوَّحتني فتغير لوني من اللون الأبيض البرَّاق إلى السواد: “لأن الشمس قد لوَّحتني“.
ماذا نتعلم من هذا؟ يقول الرب للجموع في المثل (مت 14: 3-7) إن الزارع الذي يزرع كلمة الله لا يزرعها في القلوب الجيدة فقط بل أيضًا في الحجرية والمليئة بالأشواك؛ حتى وإن كان هذا القلب على الطريق ويداس بالأقدام فإن الرب يلقي بذار الكلمة للجميع بسبب محبته للبشرية.
في شرحه لخاصية كل نفس، يقول السيد المسيح إن نفس الأمر يحدث في النفس الحجرية، حيث لا تجد البذرة لها عمق أرض وإذ تنبت حالاً تنبئ بالأثمار، ولكن إذ تشرق الشمس تحترق إذ لم يكن لها أصل تجف. تمثل الشمس التجربة. وهكذا نتعلم من السيد المسيح الآتي: الطبيعة البشرية كانت صورة من النور الحقيقي، بعيدة كل البعد عن الظلمة، وكانت مضيئة كمثل الجمال الأصلي، أي الإلهي (تك 1: 27).
هكذا فإن التجربة المحرقة المخادعة تعصف بالنبتة الأولى الرقيقة التي ليس لها جذور بعد. وذلك قبل أن تبلغ هذه النبتة أيّ حالة جيدة، وقبل أن يكون لها الفرصة أن تمتد بجذورها في عمق الأرض نتيجة لرعاية الفلاح لها، يأتي العصيان سريعًا فتجف البرعمة الخضراء في الحال. إن التجربة قد جعلتها سوداء بسبب الشمس المحرقة. فإذا ما قلنا أن التجربة هي الشمس فلا يُخدع أحد إذن حيث أن الكتب الإلهية الموحاة تُعلمنا ذلك في عدة مواضع.